لم يجد أطفال أحد المواطنين طريقة للهرب من والدهم بعد تسليمهم بالقوة الجبرية من إدارة تنفيذ الأحكام، إلاّ استغلال توقف السيارة عند الإشارة ليسارعوا بفتح أبواب السيارة والهرب، غير مبالين بخطورة المغامرة التي قد تكلفهم حياتهم، الأمر الذي أصاب والدهم بالذهول، فما كان منه إلاّ أن عاد لإدارة الشرطة والتبليغ عن هروبهم، في حين فوجئت إحدى الأمهات برفض أبنائها زيارتها رغم يقينها برغبتهم في الذهاب معها؛ لكن تهديد الأب جعلهم يخفون حنينهم لأمهم وإبداء الرفض. مثل تلك الحالات التي تتكرر كثيراً من الأبناء حين يتم تسليمهم لأحد والديهم -باختلاف حجم ردة الفعل-، والمعاناة التي يلقاها رجال الشرطة لتنفيذ الأحكام، تستدعي إيجاد مراجعة ودراسة تهدف إلى حماية نفسية الأطفال وتحقيق الغاية من الحكم الشرعي. "الرياض" عبر هذا التحقيق استطلعت آراء المختصين الذين رأوا بضرورة تدخل جهات أخرى مثل "وزارة الشؤون الاجتماعية"، وجهات حقوقية أخرى؛ لتفعيل دور الإرشاد الأسري، وتضمن عدم إلحاق الضرر النفسي بالأبناء، وتخفف من درجة الاحتقان بين ذويهم، وتمنع تطور الخلافات بينهم. تأثر الطفل بدايةً، روى "سعد الشمراني" معاناته في استلام ابنه من قسم تنفيذ الأحكام بشرطة جدة، حيث صدر له حكم باستلام ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، وأصبح من حينها قبل شهرين يشعر بتأزم وارتباك عندما يرى أفرد الشرطة، مبدياً خشيته أن يؤثر ذلك عليه سلبياً، مضيفاً:"يعيش ابني مع والدته بعد انفصالنا، وكنت آخذه نهاية كل أسبوع ليقضي معي الإجازة الأسبوعية دون أي معاناة، ولكن الوضع تغيّر بعد فترة، حيث كنت أواجه بأعذار لا تنتهي وعدم رد على اتصالاتي؛ مما اضطرني إلى اللجوء للقضاء؛ ليصدر لي حكم باستلام ابني عن طريق إدارة تنفيذ الأحكام"، مبيناً أن سبب طلاقه من زوجته كان بسبب الخلافات التي لم تكن لتصل إلى تلك المرحلة لو وجدت جهات متخصصة تتولى الإرشاد الأسري، وتركز على المشاكل الزوجية بأسلوب علمي، بحيث تكون تمثل الخط الأمامي للقضاء؛ تقليلاً لنسبة حدوث الطلاق الذي يدفع تبعاته الزوجان والأبناء. أخذ التعهدات وكشف "محمد السلمي" تفاصيل رؤيته واستلامه لابنته ذات الأربعة أعوام، قائلاً:"حكم القاضي لي بزيارة ابنتي نهاية كل أسبوع، ولكنني أفاجأ في كل مرة بأعذار واهية بعدم إحضار البنت، في حين لا يتجاوز دور الشرطة أخذ تعهدات!"، مبيناً أنه حاول مراراً توسيط أهل الخير دون فائدة، مناشداً المسؤولين بإبعاد الأطفال عن مراكز الشرطة، وتسليمهم في مواقع أخرى، مضيفاً:"الأطفال يتضررون نفسياً جراء حضورهم لمقار الشُرط، ومشاهدة الدوريات.. على الأقل ينبغي أن يرتدي المسؤولون عن الأطفال في الشرطة زياً مدنياً حفاظاً على مشاعرهم". عزيزي المواطن.. قبل أن تطلّق زوجتك فكّر «مليون مرة» في مستقبل أولادك دور الشرطة وشدد العقيد "مصطفى القصيمي" -مدير إدارة تنفيذ الأحكام المكلف بشرطة جدة- على أهمية تواجد الشرطة كجهة تنفيذية في تسليم الآباء والأمهات أبناءهم، تنفيذاً لأحكام الحضانة والزيارة، بحيث يكون دور الشرطة بعد استنفاد كافة أدوار الجهات ذات العلاقة؛ لينحصر دور الشرطة في تسليم الابن في حال الرفض، ويمتد دورها إلى الرفع بمعاقبة الممتنع حرصاً على نفسية الأبناء وتخوفهم من دخول الشرطة، منوهاً أن البُعد الإنساني على نفسية الطفل يمتد إلى الأب والأم؛ لأن واقعهم جميعاً يستدعي تدخل جهات أخرى بحكم الاختصاص مثل "وزارة الشؤون الاجتماعية"، ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان وكوادرها المتخصصة، إلى جانب المشاركة في تسليم الأبناء ومحاولة حل القضايا العالقة بين الأب والأم تحقيقاً لعلاقة سوية. وذكر "القصيمي" أن دور أقسام الحقوق المدنية بالشرطة والمراكز التي تتولى تسليم الأبناء؛ يمثل جهة تنفيذية للأحكام القضائية التي تصدر بتمكين الأب أو الأم لاستلام ابنائهم إما للحضانة أو للزيارة، مضيفاً:"في غالب القضايا تكون العلاقة متوترة بين الأب والأم ويتحول الأبناء أداة للانتقام، وفي النهاية الضحية هم الأبناء"، مشيراً إلى أنهم يستعينون بالشؤون الاجتماعية في الاستشارات الفنية لكثير من المواقف التي تعترضهم. يفترض أن يكون البديل في «دار اجتماعية» وليس بين المجرمين مع تهيئة الأطفال نفسياً ومواساة دموعهم جهة تنفيذية وطالب "محمد الزهراني" -رئيس القسم الأسري بشرطة جدة- بإعادة النظر في كونهم الجهة التي تتولى تسليم الأطفال؛ لأنهم جهة تنفيذية لأحكام القضاء، في حين أن واقع أبناء المنفصلين يتطلب أن يتولى المهمة أخصائيوين اجتماعيون ونفسيون، مبيناً أنهم يمرون بمواقف عديدة تفرض عليهم التخلي عن عواطفهم وتنفيذ الأحكام التي كثيراً ما تجد ممانعة ورفضا من قبل الأطفال، خاصة من تجاوزوا عشرة أعوام، حيث يكونون في حالة نفسية سيئة نتيجة للخلافات والمشاحنات التي يشاهدونها بين الأب والأم، مما يضطرهم إلى الكتابة مرة أخرى للقاضي للنظر في الحكم بعد إبداء معوقات تنفيذ الحكم، مضيفاً:"الأمر لا يتعلق بالحالة النفسية للأبناء المنفصلين، بل تصل إلى عراكات كلامية وتصل إلى حد التشابك بالأيادي بين الزوجين المنفصلين، وأحياناً أقاربهم، ومحاولة تأثير أحد الطرفين على الأبناء، مما يضطرنا إلى عزل الطرف المحرض وتهيئة الابن وتوجيهه وإرشاده؛ لإبعاده عن تأثير التحريض". وأكد العقيد "عادل الشيخ" -مدير إدارة تنفيذ الأحكام بشرطة منطقة مكةالمكرمة- على ضرورة تسليم الأبناء عن طريق الشؤون الاجتماعية، نافياً تقصير إدارات تنفيذ الأحكام في معاقبة الطرف المتمنع. أب ينتظر استلام أولاده من أمام مركز الشرطة بعد انفصاله عن زوجته إرشاد أسري ووصف "د.أحمد بن عبدالرحمن البار" -أستاذ السياسة الاجتماعية والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- واقع الانكسار الذي يكون عليه أبناء المطلقين، مستعيراً المصطلح الوارد في الحديث النبوي "الطلاق كسر"، مشيراً إلى أن الانفصال ليس شرا دائماً، مضيفاً:"كما سمعنا عن الطلاق العاطفي، عندما يعيش الزوجان تحت سقف واحد غير أن حياتهما أشبه بحياة المطلقين، فهناك الطلاق الناجح متى ما تعذرت الحياة وكان الحل للطرفين"، مبيناً أن واقع حال أبناء المتنازعين لا يهدف إلى إصدار حكم، ولكن للتأكد من سلامة الأطفال، مما يؤكد على أهمية محاكم الأسر والاستعانة بالمهنيين من الأخصائيين والأخصائيات الاجتماعيين؛ للتأكد من استقرار الأطفال وحمايتهم من الأذى والإهمال، كما يمتد دورهم لتمكين الأطفال والأم وكذلك الأب في الإفادة من موارد المجتمع ومؤسساته وخدماته وكيفية الحصول عليها سواء ما يتعلق بالدعم المادي والمعنوي أو الرعاية التعليمية والصحية، أو تقديم الاستشارات الشرعية والقانونية والنفسية والاجتماعية للطليقين والأبناء. «القوة الجبرية» في الاستلام والتسليم زادت الجرح إيلاماً دون تدخل مسبق للحل حماية نفسية وطرحت "د.نادية التميمي" -أخصائي أول علم النفس السلوكي بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض- جانباً مهماً في تسليم الأبناء عن طريق الشرطة، وهو شعور الأبناء أنهم غير أسوياء حين يتسلمهم آباؤهم أو أمهاتهم عن طريق الشرطة، مطالبة بحماية نفسياتهم من الخلافات التي تحدث بين الطليقين داخل أقسام الشرطة، والتي قد تخلق موقفاً عدائياً من الأبناء تجاه الأب، وغالباً تجاه الأم نتيجة التحريض بالامتناع عن الذهاب معها، مضيفة:"الحل في توفير بيئة آمنة جاذبة تتولاها الشؤون الاجتماعية بحكم الاختصاص، وتكون مهيأة بتجهيزات تتناسب وأعمار الأبناء مع تواجد مختصين يسهمون في خلق مناخ صحي، إلى جانب المعالجة العلمية للحالات، كي يتوصل الآباء والأمهات إلى قناعة بأهمية المحافظة على نفسيات أبنائهم والعودة إلى جادة الصواب، وعدم استغلال الأبناء في تصفية الحسابات. حماية الأطفال وأبدى "د.حسين الشريف" اختلافه على طريقة تسليم الأبناء داخل مقار الشرطة، مبيناً أن معايشته لحالات مؤلمة جعلته يزداد قناعة بضرورة مشاركة الشؤون الاجتماعية في تسليم الأبناء ومتابعة أحوالهم، مضيفاً:"نترقب صدور قانون يحمي الأطفال من الإيذاء النفسي، ويعاقب من يتسبب في ذلك عليهم". جهة اجتماعية وانتقد الشيخ "عبدالرحمن الحسيني" -قاضي الاستئناف بالمحكمة العامة بجدة- الأسلوب المتبع في تسليم الأبناء عن طريق الشرطة، مطالباً أن يكون تنفيذ التسليم من جهة تتبع الشؤون الاجتماعية؛ صوناً لنفسية الأبناء وحفاظاً على مشاعرهم، وإبعادهم عن خلافات والديهم، مستشهداً بتجارب دول عدة أقربها مصر، مضيفاً:"إن وزارة الشؤون الاجتماعية مطالبة بتهيئة دور استقبال وتأمين متخصصين في الإرشاد الأسري وتوفير التجهيزات اللازمة، كي تبعد الرهبة عن الأبناء وتجعلهم يألفون المكان ونبعد عنهم كل المؤثرات النفسية السيئة". وأوضح "الحسيني" أنه اقترح على "إمارة منطقة مكةالمكرمة" قبل أربع سنوات، اقتراحاً يهدف إلى ضرورة تسليم الأبناء عن طريق الشؤون الاجتماعية، مشيراً إلى أن إنشاء المحاكم الأسرية متى ما توفرت القوى البشرية والاستعداد الكافي، سيحل كثيرا من الإشكالات ويتعرف الناس على حقوقهم. مساعدة الجهات وأبدى "عبدالله آل طاوي" -مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة- استعدادهم في الشؤون الاجتماعية لمساعدة الجهات الأخرى والتعاون معهم في تسليم أبناء المنفصلين، موضحاً أنهم يؤدون الدور الاستشاري متى ما طُلب منهم، مضيفاً:"نحن جهة تنفيذية تتلقى التوجيهات من الوزارة، ومتى ما صدر التوجيه والتنظيم بذلك من أي جهة لها حق القرار، فلن نتأخر في المساهمة بالجهود والخبرات في رفع المعاناة عن أبناء المنفصلين، ومساعدة ذويهم مع باقي الجهات الأخرى". نظرة انكسار ورهبة لدى الأبناء أثناء تسليمهم لأحد والديهما عن طريق الشرطة مقترحات للعلاج * إيقاف تسليم الأبناء لأحد والديهما عن طريق الشرطة من جميع الجهات التي تنظر في دعاوى الحضانة. * تتحمل وزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولية تسليم أبناء المنفصلين، وتهيئة دور مناسبة لهم، بما يضمن سلامة نفسية الأبناء. * الإسراع بدعم وبناء الدور وتفعيل المسؤولية الاجتماعية. * إبعاد الأبناء عن مراكز الشرطة، واقتصار دورها على التسليم في حال الامتناع ومعاقبة الطرف الممتنع. * إنشاء محاكم الأسرة ودعمها ببرامج الإرشاد الأسري المتخصص، دون الاعتماد على الاجتهادات. * حث وزارة العدل على التوسع في برامج التوفيق والمصالحة واعتماد توصيات مراكز الإرشاد الأسري بعد تأهيلها. * سن التشريعات التي تفرض المسؤولية الاجتماعية على القطاع الخاص، فيما يختص بقضايا الأسرة. * حث الجهات البحثية على إعداد دارسات متخصصة تتصدى لأثر الطلاق على الأبناء، وإيجاد الحلول العلمية لها. العقيد مصطفى القصيمي محمد الزهراني الشيخ عبدالرحمن الحسيني أحمد البار