ذهبت في الربع الأخير من عام 2005م إلى قسم الصيانة لإجراء الصيانة الدورية الأولى بعد الألف كيلومتر الأولى، وكانت الصيانة عبارة عن إلقاء نظرة تفقدية سريعة لم تستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة، جاءني بعدها المهندس الذي استلم السيارة بابتسامته الوادعة مفيداً بأن السيارة بسم الله ما شاء الله ممتازة وخالية من أية عيوب، ثم تكرر المشهد نفسه بعد إجراء صيانة الخمسة آلاف كيلومتر. لكني بعد إجراء صيانة العشرة آلاف كيلومتر، استلمت السيارة مغادراً باتجاه البيت، وأثناء توقفي لإحدى إشارات المرور، فوجئت بأن السيارة مطفأة؛ لقد تحولت إلى كتلة جامدة بلا روح. ولما تحولت الإشارة إلى اللون الأخضر ارتبكت حركة السيارات وتعطل الشارع تماماً، وبدأت أبواق أو زوامير، أو كلكسات السيارات تدوي بأصواتها، وأنا مستسلم لعرقي الذي يتصبب ليس بفعل حرارة الجو، وإنما بتأثير الموقف الحرج الذي وضعت فيه، إلا أن تعاطف البعض خفف عني شيئاً من ذلك الحرج من خلال مواساتهم؛ فواحد يقول: "الله يعينك"، وآخر باستغراب يقول: "سيارة (كذا)، وموديل سنتها، ومتعطلة!"، وثالث بحرقة يقول: "تجمّل بالصبر يا صديقي"! وبعد ما يقارب الساعة من التوقف الصامت والحزين عدت إلى قسم الصيانة حاملاً السيارة على (سطحة)؛ سيارة سحب، لأجد المهندس صاحب الابتسامة إياها يستعد للمغادرة لانتهاء وقت الدوام، وفي اليوم التالي ذهبت إليه، فأخبرني أن السيارة سليمة، والمشكلة فقط في البطارية وقد تم تغييرها! نظرت إليه بحنق شديد، وقلت: وما فائدة الصيانة التي أجريتموها للسيارة؟ فعاد لابتسامته قائلاً بأن الشركة ستتحمل قيمة البطارية، فصرخت في وجهه بأن المشكلة لدي ليست في قيمة البطارية، وإنما في الحرج الذي سببتموه لي! تلك حالة، وحالة أخرى كانت بعد صيانة الثلاثين ألف كيلومتر، خرجت من قسم الصيانة ويدي على قلبي كما كل مرة، ووصلت البيت بسلام، ولكني في اليوم التالي، وكانت السماء ممطرة، وجدت بريقاً على سطح المياه المتجمعة تحت السيارة، تتبعت البريق فوجدته بنسبة أكثر تحت وعاء الزيت، مددت يدي إلى الصرة فوجدتها غير مغلقة بإحكام لدرجة أنني أقفلتها بيدي لفة كاملة ثم أحضرت المفتاح وقمت بدور الميكانيكي الماهر وأحكمت إغلاقها، وفي الصيانة التالية أخبرت المهندس الاستشاري بما حدث بقصد الانتباه، فقال متقمصاً دور المتألم لحالي: "احمد ربك أنك انتبهت، فلو سقطت الصرة لتسرب الزيت وحدث المكروه لا سمح الله، واطمئن؛ سأطالب الفني بالاهتمام أكثر! لم أعقب؛ إذ لم أجد إلا نظرة مقت سريعة أرد بها على ابتسامته الباردة! أما الحالة الثالثة فأستهلها بالقول: ما أشبه عام 2012م بعام 2005م؛ بالأمس القريب؛ الإثنين 7 ربيع الأول 1433ه الموافق 30 يناير/كانون ثاني 2012م ذهبت إلى قسم الصيانة التابع لشركة سيارات أخرى غير الشركة السابقة، لإجراء الصيانة الدورية الثانية، دخلت صالة الاستقبال فوجدت أحد الزبائن يصول فيها ذهاباً وإياباً، ويتحدث عبر الجوال بصوت صارخ حول مشكلة تسببت في تعطل سيارته في وسط الشارع، والسبب في ذلك البطارية! بالطبع كنت أستمع إليه وأحداث عام 2005م تمر أمامي بكل آلامها. وبعد بعض الوقت جاء دوري، فاتجهت إلى المهندس أو الاستشاري المختص باستلام السيارة، وجلست في المقعد المخصص للزبائن، ولكن ما أن بدأت حديثي إليه، حتى اقتحم المكتب زبون آخر قاطعاً حديثي ليصب جام غضبه على المهندس؛ إذ ارتفعت درجة حرارة سيارته أثناء سيره وأسرته بصحبته، فاضطر إلى إطفاء المحرك ليكتشف أن محبس خرطوم المياه المتصل بالمبرّد (الراديتر) لم يكن محكم الإغلاق، فتسربت مياه الراديتر وحدث ما حدث، وبدأ يضع اللوم على قسم الصيانة الذي استلم السيارة بالأمس فقط وليوم كامل لإجراء الصيانة اللازمة، لقد عصف بي الألم وأنا أستمع إلى صراخه وأنظر إلى اكفهرار وجهه وهو تارة ينظر إلى المهندس، وتارة أخرى يوجه نظرته إليّ، مكرراً السؤال نفسه الذي سألته أنا من قبل: ما فائدة الصيانة التي أجريتموها بالأمس! ويكرر بلهجة شديدة عتابه قائلاً: أين وزارة التجارة وحماية المستهلك من هذه المهازل! والعجيب أن المهندس خاطبه بكل برود قائلاً : سنغير الخرطوم ونحكم إغلاق المحبس! تجربتي إذن مع نوعين من السيارات؛ الأول من الصنع الياباني المعروف بأنه الأكثر انتشاراً والأسهل صيانة، والآخر من الصناعة الأمريكية ويوصف بأنه الأشد صلابة والأقل تعقيداً، ومن المؤكد أن الكثيرين غيري وغير صاحبَي تعرضوا لمثل هذه الأحداث المؤلمة مع أنواع أخرى من السيارات، ولاشك أن الجميع (مثلي) يقف حائراً أمام تساؤل يقول: ترى أين الخلل؟ أيكمن في إهمال فني الصيانة؟ أم في جهل المهندس الاستشاري؟ أم في فقدان عنصر الإدارة؟ أم في غياب الرقابة؟ أم في كل ذلك معاً!