شَنّ قلةٌ من الكتَّاب حملة ضد الابتعاث وزجوا بالتهم تصريحاً أو تلميحاً مشككين في مخرجات الابتعاث. ولهذا توجب عليَّ بصفتي أستاذاً جامعياً ممن سنحت له فرصة الابتعاث لنيل أعلى الدرجات العلمية أن اكتب هذا المقال إحقاقاٍ للحق ولتبيين أوجه الفائدة من الابتعاث التي لا تخفى على كل حصيف. في البداية، يستلزم الأمر القول صراحة إن اختيار المملكة لقرار الابتعاث لم يكن جزافاً أو دونما أي تفكير، بل هو قرار رُسِمَ بعناية بهدف بناء الوطن. وما دعم الدولة حفظها الله للابتعاث وضخامة حجم الإنفاق إلا دليل ناصع على حرص الدولة على الرقي بالإنسان السعودي، إذ يتوقع أن يصل إجمالي النفقات في نهاية العام المالي الحالي (1433-1434ه) إلى قرابة العشرين مليار ريال. وبرؤية استراتيجية ثاقبة وإيمان راسخ بأهمية رعاية الطلبة المبتعثين، قامت وزارة التعليم العالي بإنشاء وكالة ترعى شؤون الابتعاث والمبتعثين، وألحقتها اليوم بتدشين ربطاً الكترونياً (سفير) بين الملحقيات والوزارة يقدم خدمات تفاعلية كثيرة تزيد من سرعة تواصل الوزارة مع الطلاب والطالبات السعوديين المبتعثين في الخارج. كُلُّ هذا دون أدنى شك دليل قاطع على حرص الوزارة على تسهيل مهمتها تجاه الطلاب والطالبات ومواكبة الوزارة كل جديد يخدم الطلاب. ولا تنحصر فوائد الابتعاث على النهل من منابع العلم في الجامعات العالمية المرموقة فحسب، بل تتعداها إلى إتاحة الفرصة للمبتعثين للعيش في بيئة حضارية علمية في دول متقدمة، التي من المأمول أن تنعكس إيجابياً على حياتهم حين عودتهم. والمتتبع لسياسة الابتعاث التي تقوم عليها وزارة التعليم العالي، يكتشف بسهولة أن الابتعاث موجه وبذكاء للتخصصات التي يحتاجها البلد؛ ففي كل مرحلة من مراحل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث تعلن الوزارة قصر الابتعاث على تخصصات معينة. واليوم وباكتمال البرنامج السابع للابتعاث وصل عدد المبتعثين إلى أكثر من 130 ألف طالب وطالبة يدرسون في أكثر من عشرين دولة، يتركز معظمهم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، وقد رسمت وزارة التعليم العالي هدفاً استراتيجياً لعام 2020 يتمثل في تخريج 50 ألف مبتعث سعودي من أفضل الجامعات العالمية. ولا شك أن تحقيق هذا الهدف يدعو إلى التفاؤل في بناء مجتمع معرفي قادر على بناء الوطن. إذ يعني الاقتصاد المعرفي في أساسه أن تكون المعرفة سلعة تحرك الاقتصاد والتنمية، حيث ترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة ونشرها وتوظيفها بكفاية في جميع مناشط الحياة، مما يعني أن الاقتصاد المعرفي يوفر وظائف ويخلق فرص عمل جديدة. ولبناء اقتصاد معرفي ناجح، لا بد من إيجاد تعليم متقن ومتميز ليخلق بيئة مثالية للابتكار والبحث والتطوير. فالاقتصاد المعرفي يبني الأمم، وخير دليل على ذلك تطور اقتصاديات كوريا الجنوبية، وسنغافورة المبنية على إنتاج المعرفة، فقيمة "ذاكرة فلاش" قد تعادل قيمة محصول فدان!! وعلى الرغم من هذا، يتخوف البعض من أن خريجي برنامج الابتعاث لن يجدوا وظائف لهم حين عودتهم. وفي ظني أن هذه ليست معضلة لسببين: الأول، أن أعداد الوافدين في المملكة يتجاوز 8 ملايين، وما زالت المملكة تستقبل المزيد. وحتى لو أن معظم هؤلاء الوافدين من فئة العمالة غير المدربة، إلا أن نسبة منهم يعملون في مجالات تخصصية في الهندسة والطب وغيرها ويتبوءون مناصب قيادة في القطاع الخاص. وبالتالي، فإن عملية الإحلال سوف تتم بيسر وسهولة، أو هكذا يجب أن تكون. ثانياً، تقول نظرية اقتصادية بسيطة مفادها أن السلعة الجيدة تطرد السلعة الرديئة، مما يعني أن المبتعثين العائدين بتأهيل جيد سيفرضون وجودهم في سوق العمل، إذ يدرس معظم المبتعثين (70%) تخصصات تحتاجها المملكة مثل الأعمال التجارية، والإدارة، والهندسة والصناعات الهندسية، والمعلوماتية، والخدمات الطبية، والطب، مما يعني أن الفرص الوظيفية لهم متاحة حال عودتهم إلى أرض الوطن. ختاماً، أُذكِّر بأن الاستثمار في العقول مفخرة يتحتم علينا جميعاً تأييدها، والدفاع عنها وأن نقف احتراماً لوزارة التعليم العالي على رعايتها لذلك. وفق الله الجميع لخدمة وطننا المعطاء وللجميع مودتي. * جامعة الملك سعود