في كل حين نفتقد من مسرح هذه الحياة قريباً أو صديقاً تختطفه يد المنون من رحاب هذا الوجود المكتظ بالأحداث والآمال والأحزان والمعاناة، وهذا قضاء الله الذي لا مرد له. قال الله تعالى في محكم كتابه: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}. وقال سبحانه {إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}. وكلنا إن شاء الله نؤمن ونوقن بأن الموت حق على كل مخلوق ولكن فقدان القريب من النفس فجأة أمر يؤثر ويؤلم ويحزن فبالأمس رحل عنا إلى دار المقام بعد أن استوفى نصيبه من أيام الحياة أخ عزيز وأستاذ كريم وصديق غال على الكثير ممن عرفه وتعامل معه ذلك هو الدكتور عبدالله الناصر الوهيبي رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جنانه وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وبفقدان أبو ناصر فقدنا نبراساً للخير ومثلاً للمواطن المثقف المساهم في بناء البلاد المعروف بطيب معشره وكريم خصاله، حياته رحمه الله كانت عامرة بالعمل النافع والكفاح والعصامية، فضلاً عن حسن تعامله وأدبه الجم ومحبته للناس ومحبة الناس له وفي الأثر أن من أحبه الله حببه إلى الناس. وبفقدان الدكتور عبدالله الوهيبي فقدت التربية والأدب والمجتمع عضواً بارزاً وفاعلاً وفقد أصدقاؤه ومعارفه وزملاؤه وأبناؤه صديقاً وفياً وزميلاً وأستاذاً جليلاً. لقد شارك أبو ناصر رحمه الله في بناء النهضة التعليمية الحديثة في المملكة فلقد تولى مناصب هامة وحساسة في الفترة الأولى من تأسيس وزارة المعارف حيث عمل مديراً للتعليم الابتدائي بجهاز الوزارة حينما كانت معظم مدارسنا ابتدائية وحينما توسع وانتشر التعليم عمل مديراً عاماً للتعليم بالوزارة وبعد حصوله على درجة الدكتوراة انتقل إلى جامعة الملك سعود (الرياض) ليعمل أميناً عاماً لها، فهو يعد من المؤسسين للتعليم العام والجامعي الذين ساهموا بجهدهم وفكرهم ووطنيتهم وخبرتهم حينما كان عدد المؤهلين في البلاد محدوداً، فكان رحمه الله مع من بنى وأسس ورعى وتابع وساعد وعمل وخدم بلاده من أوسع أبوابها - باب التعليم والتثقيف والإدارة. وفي فترة التقاعد خدم مجتمعه من خلال اشتراكه في عدد من النشاطات الاجتماعية من ذلك عضويته في جمعية البر بالرياض. لكنه وإن تقاعد عن العمل الرسمي في مجال التعليم إلا أنه ظل على صلة بالتعليم من خلال قراءاته وكتاباته وزياراته والاحتفاظ بعلاقاته مع زملاء المهنة كما كان له نشاط معروف في مجال الأدب. ويحتفظ في منزله - العامر إن شاء الله بأبنائه - بمكتبة أظنها من أكبر المكتبات المنزلية، حيث تحتل جزءاً كبيراً من منزله وتحتوي على العديد من الكتب النافعة والمصادر المتعددة والمتنوعة، استفاد منها الكثير وانتفع بها العديد من أصدقائه وطلابه ومعارفه وأحسب أن أبناءه الكرام سوف يهيئوا للآخرين سبيل الاستفادة منها بالطرق أو الطريقة التي يرونها مناسبة لتخليد اسمه ولينتفع طلاب المعرفة بكنوزها. ومن الأمور التي تميز بها فقيدنا أبو ناصر كثرة أصدقائه ومحبيه ووسع علاقاته وتنوعها وتعددها ورغم كثرة أصدقائه ومعارفه وتعددهم وتنوعهم، إلا أنه بحكمته وحنكته ودبلوماسيته وحلمه لا يخسر الأصدقاء بل ينمي عددهم ويحرص على بناء علاقات دائمة ومستمرة من خلال بناء قنوات متعددة. ومن حلمه وطولة باله وسعة صدره أنني لم أعهد ولم أسمع طوال فترة معرفتي الطويلة والمتواصلة به أنه اختلف أو دخل في نزاع أو صراع أو مشاجرة مع أي شخص من معارفه أو غيرهم، بل كان حكيماً وحليماً متبصراً لذا فهو في كل يوم يكسب الأصدقاء وتتقوى علاقاته بأصدقائه القدامى. فهو حريص على بناء علاقات أخوية تسودها المحبة والألفة مع كل من عمل أو تعامل معه فقلبه وداره مفتوحان للجميع، ففي لقاءاته المتواصلة بعد مغرب كل يوم في داره ترى الزملاء القدامى وأبناءه وطلابه فتلتقي بأطياف من المثقفين وأستاذة الجامعات ومنسوبي التعليم بالإضافة إلى رجال الأعمال وغيرهم من محبي أبي ناصر وأقربائه. ويعجبك في أبي ناصر رحمه الله انضباطه والتزامه واستمرارية علاقاته، بالإضافة إلى دقته في نظام أكله وممارسة الرياضة والقراءة والاطلاع والقيام بواجباته اتجاه الآخرين ومتابعته لأخبارهم وقدرته على كسب المعلومة من مصادرها الأساسية. وجميع أصدقائه يذكرون جيداً طريقته في المصافحة حيث ان الله منحه قوة غير عادية في يده اليمنى يستخدمها في الضغط على يد المسلم عليه أثناء المصافحة خاصة مع من يغليهم ممن هم هم أصغر منه سناً ومكانة. أنا على يقين بأن زملاءه وأصدقاءه والمقربين إليه سوف لن يألوا جهداً في عد مناقبه وصفاته ومواقفه الحميدة، وسوف يعرف عنه الناس بعد مماته - غفر الله له وسامحه - أكثر مما عرفوه عنه في حياته خاصة وانه من العازفين عن الظهور، لهذا فإنني أدعو أبناءه إلى جمع ما قيل عنه وما سوف يقال وتسجيله. إنني وجميع محبيه ومع جلل المصاب لا نستطيع إلا أن نقول كما علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا ناصر لمحزونون. نسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته ويغفر لك ويسكنك فسيح جناته وأن يلهمنا وذويك وجميع محبيك الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.