إعادة هيكلة قطاع الكهرباء من أجل رفع كفاءة هذا الصناعة وإمكانية تخصيص أنشطتها الأساسية من إنتاج ونقل وتوزيع خلال المرحلة الحالية من مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة ، تعد أحد الإنجازات التي أفضت إلى تحقيق التغطية شبه الكاملة للخدمات الكهربائية في مختلف مناطق المملكة، وجعلها متاحة لما يزيد عن أحد عشر ألف تجمع سكاني من مدن ومحافظات ومراكز وقرى في المملكة، حيث بدأت تتضح مساهمة منتجي الطاقة المستقلين ويظهر مدى التحسن في القدرة الإنتاجية لهذه الطاقة . إلا أن ما يواجه هذا القطاع من تحد هو النمو في الطلب على الطاقة الكهربائية بما يصل معدله 9 % سنوياً، من عدد من المشتركين يتجاوز 5.4 ملايين مشترك، تبلغ طاقتهم الاستهلاكية أكثرمن 180 بليون كيلوواط / ساعة، يقابل معدل هذا النمو المرتفع في الطلب مستوى أقل منه في قدرة التوليد لهذه الطاقة ، لذلك تعمل المملكة بعد اكتمال شبكتها الكهربائية وربطها بالشبكة الخليجية، وفي مرحلة تالية بالشبكة العربية ، من تحقيق التبادل التجاري في مصادر هذه الطاقة مع الجهات المرتبطة بهذه الشبكات، خلاف أنها تعمل على أن يكون استهلاك الوقود في محطات التوليد محلياً قائما على استعمال زيت الوقود الثقيل بدل المنتجات البترولية الأخرى الأعلى قيمة مثل زيت الديزل والنفط الخام ، بالرغم من تأثيراتها البيئية فما تتحمله الدولة سنوياً من دعم لأسعار الوقود الذي تحصل عليه شركات إنتاج الكهرباء يقدر بحوالي خمسين مليار ريال ، أو ما يعادل نحو ألف ريال سنوياً لكل مشترك في المملكة من جميع فئات المستهلكين للأغراض السكنية، أوالصناعية، أو التجارية ، أو ما عداها . ما يجعل هذا الأمر يستحق العناية والاهتمام هو ما نشر في بعض الصحف الأسبوع الماضي عن الدراسة التي تجريها وزارة المياه والكهرباء وهيئة تنظيم الكهرباء والانتاج المزدوج لمعرفة جدوى ربط الشبكة الكهربائية للمملكة بسوريا والأردن وتركيا وصولاً إلى أوروبا للاستفادة من الطلب العالي على الكهرباء في تلك الدول خلال فصل الشتاء في حين تنخفض إلى النصف محلياً، وما سيمثله ذلك من مورد مالي للمملكة في حال تصدير الطاقة الكهربائية والاستفادة من القدرات الكهربائية الموجودة الذي وإن كان توجهاً محموداً في مجمله إلا أنه ينبغي ألا يكون على حساب العائد من مواردنا النفطية سواء في أرتفاع معدل الاستهلاك المحلي لهذه الموارد، أو القيمة من تصديرها خاماً أو منتجات لهذا الموارد، أو استغلال ما يتلقاه المنتجون المحليون للطاقة الكهربائية من دعم حكومي لأسعار الوقود الذي تزود به تلك المحطات لغرض انتاجها للطاقة الكهربائية التي تدرس إمكانية تصديرها للأسواق الخارجية خلال فترة تراجع معدلات الاستهلاك محلياً في فصل الشتاء. إن مما يؤمل من جهود في هذا الشأن هو أن تتوجه لهدف أساسي مهم في هذا القطاع ألا وهو مزيد من المحافظة على الطاقة وترشيد استهلاك الكهرباء لجميع فئات المشتركين وبالذات القطاع السكني الذي يستحوذ على نحو 53 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة ، والقطاع الصناعي الذي يأتي في المرتبه التالية بمقدار 18 % ، ودراسة مدى إمكانية تكثيف نشاطه الإنتاجي في فترة تراجع معدلات الاستهلاك السنوية ، والنشاط التجاري وخاصة قطاع التجزئة في الدكاكين الممتدة على طول الشوارع الرئيسية وتشجيع انتقالها للمراكز والمجمعات التجارية بدل بعثرتها وتزايد حصتها في معدلات الاستهلاك الكهربائي التي نعاني من نموها عاماً بعد آخر .