هل يتصور سيادة الرئيس أنه قادر بعد الآن أن يقنع السوريين أنه الرئيس الأصلح لهم؟ في اعتقادي أن الأسد وصل إلى قناعة داخل نفسه أن الوقت فات وأنه لم يعد باستطاعته أن يحكم السوريين بعد اليوم صرت اسأل نفسي كل يوم: ماذا يريد بشار الأسد من السوريين؟ كيف يمكنه أن يشعر أن باستطاعته أن يحكم سوريا مرة أخرى بعد أن فعل بمواطنيه ما فعل؟ هل يتصور سيادة الرئيس أنه قادر بعد الآن أن يقنع السوريين أنه الرئيس الأصلح لهم؟ في اعتقادي أن الأسد وصل إلى قناعة داخل نفسه أن الوقت فات وأنه لم يعد باستطاعته أن يحكم السوريين بعد اليوم، لكن لماذا هذا التسلط وهذا التعنت وهذا القتل اليومي للأبرياء، لماذا يريد أن يهدم المعبد فوق رأس كل السوريين؟ هذا السؤال المحير تكمن إجابته في من يقف وراء الرئيس، فمرة نسمع أن أخاه هو من يدير البلد وهو المسؤول عن القتل ومرة نسمع أن أمه هي التي تتحكم في الأمور في سوريا، والذي يظهر لنا أن من يدير سوريا هم مجموعة من المنتفعين الذين لم يفكروا في يوم في مصير سوريا ومستقبلها ولم يقفوا للحظة واحدة من أجل العمل لمصلحة المواطن السوري. نحن أمام معضلة كبيرة فمن يدير الأمور في سوريا هذه الأيام هم أمثال وزير الخارجية (المعلم) الذي خرج علينا قبل ايام ليستعرض عضلاته البلاغية ويتهكم على السوريين والعرب ويكيل لهم الاتهامات، وكأنه لا يرى مشاهد القتل اليومي في المدن السورية، لكنه كيف يرى ورئيسه خرج قبل فترة ليؤكد أنه باق مهما حدث وكأنه يقول للسوريين: إذا أردتم تغييري فابحثوا عن أرض أخرى فأنا سأظل ومن لا يرغب في وجودي فعليه مغادرة سوريا. المشكلة تكمن في هذه العقلية التي مازالت تعيش أوهام القبضة الحديدية، فبشار مازال يعيش في "جلباب" أبيه ويتصور أنه يستطيع حرق سوريا بأكملها كما فعل أبوه بحماة في مطلع الثمانينيات، ونحن نقول له هيهات هيهات، أن تقدر على فعل ذلك فالعالم تغير وما كان يسكت عنه في الماضي أصبح اليوم مكشوفا أمام العالم ولن تستطيع يا بشار أن تهرب من الجرائم التي ارتكبها جيشك بحق السوريين حتى لو إدعيت أنك لم تأمر بإطلاق النار. المثير حقا هو موقف الجامعة العربية المتردد تجاه سوريا واتجاه كل ما حدث في العالم العربي خلال العام الفائت، هذا الموقف الذي يفقدنا الثقة في هذه المؤسسة يوما بعد يوم، فمتى يمكن أن تكون هذه الجامعة جريئة وتتخذ قرارات مسؤولة، تقرير (الدابي) حول سوريا يبرر للأسد قتل السوريين تقريبا، ويجعل من لجنة المراقبة غطاء لجرائم النظام السوري. إذن يحق للمعلم أن يخرج ويتبجح في مؤتمره الصحفي، فهناك من يوفر له غطاء سياسيا وبتوقيع العرب وجامعتهم. الأمر المحزن أن تستمر الجامعة العربية في ترددها وفي مجاملتها للنظام السوري، فتمديد عمل لجنة المراقبين ما هو إلا مبرر للنظام السوري للتنكيل بالسوريين وقتلهم اليومي، بل إن وتيرة القتل ارتفعت خلال الأيام الأخيرة وكأن النظام يقول للجامعة العربية والعالم بأسره (اشربوا من البحر)، هذا التحدي السافر يضع العالم بأسره (لأننا فقدنا الأمل في الجامعة العربية) أمام مسؤوليات كبيرة. لقد أحسنت السعودية ودول الخليج بسحب مراقبيهم من لجنة المراقبة العربية، فالأدلة واضحة ولا حاجة لتمديد فترة القتل والتنكيل، والعمل يجب أن يكون باتجاه مجلس الأمن، لأن سوريا لا تأبه بالجامعة العربية أصلا، وفكرة إرسال قوات عربية لسوريا غير مجدية ولا يمكن أن تثمر عن شيء فردع نظام متحجر مثل النظام السوري لا يمكن أن يحدث إلا بقرار دولي، لكن يجب أن يكون للعرب اليد الطولى في هذا القرار. إن الضغط على مجلس الأمن (حتى لو أن روسيا تعارض أي قرار باتجاه سوريا) سوف يرعب النظام السوري وسوف يهدمه من الداخل وسوف يقوى المعارضة والمتظاهرين في الشوارع، لكن الحصول على مزيد من التأييد العالمي لابد أن يمر من البوابة العربية التي تبدو أنها مغلقة أو مواربة، وهذا يعطي النظام السوري مزيدا من الوقت لقتل النساء والأطفال. السوريون بحاجة إلى الدعم العربي، وهذا من حقهم، إلا إذا كانت الجامعة العربية هي من أجل حماية الأنظمة الفاسدة، فالمواطن العربي يعطي الشرعية لهذه الجامعة من أجل حمايته هو لا حماية أنظمة عربية عفى عليها الدهر. موقف السعودية ودول الخليج شجاع ومنحاز للحق، وهذا ما يجب عليه أن يكون موقف الجامعة العربية، ولن يكون لهذه المؤسسة أي مستقبل طالما أنها نذرت نفسها لحماية الطغاة والمستبدين وتجاهلت المواطن العربي الذي يستحق حمايتها ودعمها. إنني أتساءل: هل سأل أمين عام الجامعة (العربي) الأسد عما يريد من السوريين، هل يريدهم أن يعيشوا أذلة في بلادهم، وهل يقبل أن يحكم بلدا لا يريده ولا يقبل به. لقد كشف الربيع العربي ضعف الجامعة العربية، فهذه المؤسسة لم تستفد من الظروف التاريخية التي كان من الممكن أن تجعل من الجامعة مؤسسة قوية وموثوق فيها، لكنها للأسف استمرت في ترددها وفي ضعفها، ولعل هذا يجعلنا نقول أن الجامعة بشكلها الحالي لم تعد مقبولة ويجب إعادة هيكلتها وإعطاؤها صلاحيات أكبر لاتخاذ قرارات جريئة تتناسب مع ظروف العصر. المشاكل التي يعاني منها العالم العربي، لا تتناسب مع الصورة الهزيلة التي عليها الجامعة العربية، فمن المعيب فعلا أن يكون الشارع العربي أقوى من الجامعة، فهذا الشارع صار يفرض التغيير، بينما تقف الجامعة عاجزة. إن هذا يكرس الفوضى، فإذا كان الشارع بادر بالتغيير يجب أن تقوم الجامعة بدورها وأن تعيد تنظيم هذا الشارع وتحقق رغباته. يجب أن تتخلص الجامعة من كونها مؤسسة أنظمة إلى مؤسسة المواطن العربي. في الحقيقة، أشعر بحماس كبير إلى إعادة هيكلة الجامعة العربية، بل إنني أتمنى أن تعبر هذه الجامعة عن صوت الجماهير العربية، لأني على قناعة أنه سوف يفوتها القطار وسيهملها المواطن العربي الذي صار يبحث عن بدائل أخرى يعبر بها عن صوته، بل ويرفعه عاليا دون خوف أو تردد، فإما ان تقف الجامعة وتحاسب نفسها وتسأل الأسد ماذا تريد، وإلا سوف يسأل الشارع العربي الجامعة نفسها وسيقول لها: "ماهو دورك على وجه التحديد".