لا أدري كيف أبدأ ولا كيف أعبر عما يختلج في صدري فقلمي حائر لهول المصيبة ولا أقول إلا كما علمنا رسول صلى الله عليه وسلم (إن القلب ليحزن وان العين لتدمع وإنا على فراقك يا جدتي لطيفة مهنا المهنا لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي الله) فوالله إني اكتب وعيوني تكاد تبكي دما لا دمعا، وقلبي يعتصر الما وحزنا ولساني يتلعثم وعقلي حائر لا ادري أأكتب عن حبي لك ام عن حبك لي فكل منا يحب الآخر حبا جما أم عن حب أهلك لك ام عن حبك لأسرتك ومن حولك فالكل يشهد انني اكثر احفادك قربا منك تربيت في حضنك تحوطينني بكريم رعايتك منذ نعومة اظافري فأنا ابنة ابنك الاصم (عبدالله ) اخذتيني من والدي وانا في المهد خوفا أن ابكي ولا يسمع أحد بكائي شفقة بي ورحمة فضممتيني الى صدرك وكان احن علي من صدر امي اللي انجبتني تحسين بي دون ان اتكلم تحس بي وتتوجع لوجعي وتفيضين علي من فيض حنانك. حرصت على تذكيري بالصلاة وصلة الارحام، صوتك العذب يتردد صداه في أذني ووقعه في قلبي: ( الله الله يامناهل بالصلاة الله الله يامناهل باقاربي وارحامي). كانت رحمها الله محافظة على الصلاة، سؤالها الذي يفتر: هل دخل وقت الصلاة؟ هل أذن؟، هل اقترب وقت الصلاة؟. كنت حريصة جدا على أن أتعلم وأتفوق في دراستي وهي الأمية التي لا تقرأ وتكتب. لا تكف عن ترداد أمنيتها أن تراني أحمل (وثيقة التخرج) وها أنا على مشارف حملها ولكن الأجل لم يمهلها لتحقق حلمها. ففي الساعه الخامسة فجر يوم الثلاثاء 23\2 \1433 في إحدى غرف المستشفى توقفت الأجهزة لتعلن وفاتها وكاد أن يتوقف قلبي معها وحلت بي فاجعة عظيمة. كيف يهنأ لي العيش بدونك، فأنت امي وابي وكل شيء في حياتي كيف لي ان اكمل بقية حياتي دون دعواتك لي حين دخولي وحين خروجي فلطالما سمعتك بجوف الليل الاخير تصلين وتبكين وترفعين يديك وتقول يارب انك توفق مناهل وتسعدها يا رب تسخر لها خلقك وتكفيها شر ما بالغيب. كانت - رحمها الله - تدعو لذريتها جميعهم وتشيل هم الكبير والصغير وتحرص على مساعدة المحتاج من اقاربها وتفرح لزيارتهم لها. فأنا لم افقد (جدة) بل فقدت ونيستي وجليستي وانيستي ورفيقتي وحبيبتي وعشيقتي. فقدت من توصيني وتوجهني تربيت على يديها طفلة حتى أصبحت شابة هي من سمتني (مناهل) وكانت دوما تردد (مناهل يا قرة العين، مناهل يا شمعة فؤادي) لا اظن انني سأحب أحداً في هذه الدنيا ما أمتد بي العمر أكثر من حبي لها فأنا والله احبها اكثر من نفسي ولو بيدي اهديتها عمري كله أموت لتبقى. لقد فقدها كل من عرفها. كانت تقوم آخر الليل وهي امرأة عجوز لصلاة الليل دون ان يوقظها احد ودون منبه، تدعو في جوف الليل الأخير وتبكي فوالله لم اراها تبكي إلا وهي في مصلاها. تشرفت بمرافقتها في المستشفى فلم أرها إلا رافعة اصبعها تتشهد وتذكر الله وتسبح وتهلل وتصلي وهي لا يتحرك بها عضو غير اصبعها وراسها يطأطئ بالصلاة لم تنس صلاتها قط. مهما كتبت عن حبي لك فلن استطيع أن أعبر عما بصدري ولو حججت عنك كل عام لن استطيع رد جزء بسيط من جميلك واحسانك لي. فشكرا وكلمة شكرا قليلة جدا في حقك بل اكتفي بدعائي لك في كل سجدة اسجدها وفي كل صلاة فوالله لن انساك. وها أنا استعد للذهاب لأداء العمرة لك وإذا كتب الله فسأحج عنك. يارب ارحم شيبتها وتجاعيد يدها قامت وصلت وبكت وهي عاجزة ترجو رحمتك وتخشى عذابك يا رب اسكنها اعلى منازل الجنة اسألك يا كريم يا عظيم تسكنها الفردوس الاعلى يارب اجعلها مع الانبياء والصدقين والشهداء يا رب اجعلها تضاحك عائشة وتمازح فاطمة وتسابق زينب يا رب اكرم نزلها يارب وسع مدخلها واغسلها بالماء والبرد والثلج ونقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس.