مع بواكير تطبيق الاحتراف في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي برزت أسماء لاعبين كانوا يومها يملؤون الأسماع، ويخطفون الأبصار، ويسرقون الأفئدة، ولذلك ظلت عدسات المصورين لا ترمش لها عين بوجودهم، وأقلام الصحفيين لا تفتأ تسجل سكناتهم قبل حركاتهم، حتى إذا ما أعلنوا مغادرة (المستطيل الأخضر) راغبين أو مرغمين، أغمضت الكاميرات عيونها، وجففت الأقلام حبرها، فباتوا نسياً منسياً، حتى كأنهم ما ركضوا في ملعب، ولا زخّت أجسادهم بقطرة عرق، وما سجل لهم التاريخ لحظة أنهم كانوا هنا، وهو الجحود بعينه، والنكران بكل معانيه. و»دنيا الرياضة» إذ تستشعر المسؤولية تجاه هؤلاء اللاعبين تأخذ على عاتقها إعادتهم إلى دائرة الضوء في هذه الزاوية، لتعبر من خلالها عن الوفاء لما قدموه، وضيفها اليوم حارس القادسية السابق وليد الباز. سباعية الهلال أحرجتني.. وافتقادنا تلاحم الاتفاقيين وراء المشاكل ** حدثنا في البداية عن أسباب اعتزالك؟. - بصراحة الوضع في تلك الفترة حين اعتزالي عام 92 لم يكن مستقرا فنيا، ومررنا بظروف صعبة، وكانت مباراة الهلال الشهيرة التي خسرناها صفر - 7 وراء إعلان اعتزالي وترك الكرة إلى جانب خسارتنا الكبيرة أيضا من الرياض بخماسية، كلها كانت مؤشرا سلبيا لي وأنا الحارس، وحملوني ما لا أحتمل وكأنني السبب الرئيس وراء الخسارتين. ** ألم ينصفك أحد من القدساويين لكي تعدل عن قرارك خصوصا وأنت الحارس الأبرز آنذاك؟. - للأسف الأجواء لم تكن صحية، وكانت أوضاع الفريق متردية، ونحن اللاعبين لم تكن بيننا أي مشاكل كما لم يكن بيننا ود سوى داخل الملعب، ولعل هذه من أسباب تراجع الفريق لعدم التلاحم والتلاقي خارج الملعب بعكس جيراننا في الاتفاق فهم مجموعة واحدة ويلتقون خارج الملعب واجتماعاتهم دائمة في أمور كثيرة، هذا الرابط فقدناه في القادسية. علاقتي بالنادي مقطوعة.. ودعمت الهاجري في الانتخابات لست مسؤولا ** لماذا حملت الهزيمة بشكل أكبر؟. - حتى هذه اللحظة لا أدري ولماذا كنت ضحية لما حدث، ولكنني أيضا وجدت من ينصفني ويشيد بقدراتي وهما الإعلاميان سليمان الجمهور ومساعد العبدلي، إذ كتب عني لو لم يكن الباز حارسا للقادسية وتصديه للعديد من الهجمات الهلالية بأعجوبة لكانت النتيجة 11 - صفر وليس سبعة أهداف، وتلك الإشادة والإنصاف لن أنساها منهما ما حييت. ** أين أنت الآن من ناديك القادسية وما علاقتك بالفريق حاليا؟. - منذ اعتزالي وأنا بعيد عن النادي، ومتابعتي للفريق فقط عبر الإعلام والمباريات المنقولة، علاقتي بالقادسية مقطوعة تماما، وليس هناك اتصال مع لاعبي وإدارة الفريق. الباز يتحدث إلى الزميل العبود ** لماذا لم تبادر في الحضور للنادي؟. - لعل السبب الرئيس عدم رغبة الإدارات في وجودنا، فلم تأتِ إدارة وتحاول تقريب القدامى وأصحاب الخبرة، بل جميع الإدارات واصلت سياسة الانقطاع وتعمد الإبعاد، أقولها بحرقة وقلبي يعتصره الألم بأن خدمتنا ووجودنا بالنادي لسنين بعد اعتزالنا أحسسنا وكأننا كالغرباء، لم نكن في يوم من الأيام أحد أبناء القادسية بفضل هذه السياسة المتراكمة من الإدارات التي تعاقبت على رئاسته. ** عشت بين فترتين قبل الاحتراف وبعده، كيف تصف لنا التجربتين؟. - الفرق واضح من الناحية المادية، فاللاعبون أمر مفروغ منه ومن حقهم، لأن الكرة أصبحت مصدر رزقهم، ولكن أنا انظر إليها من زاوية مختلفة بعيدا عن المال، لم تتطور الكرة لدينا؛ لأننا لم نطبق الاحتراف بمفهومه الصحيح، وهو التطوير للأحسن وتقديم نجوم مختلفين عمن سبقوهم، نحن قدمنا نجوما لا على الورق ولا يقارنوا بالنجوم الهواة، والدليل حال الكرة السعودية اليوم بالإخفاقات في مختلف المحافل التي نشارك فيها. صغار يلعبون بالملايين ** هل ساهم المال الكبير في قتل طموحات معظم اللاعبين بعد أن أمَّنت العقود مستقبلهم؟. - هذا صحيح فاللاعب الذي كان يحلم عبر سنوات وتضحية لناديه والمنتخب أن يؤمن مستقبله، اليوم يحقق ذلك بكل سهولة من خلال المزايدات والعقود الكبيرة التي تقدم لصغار السن منهم وبالملايين، وهنا الطموح يموت خصوصا أن عقلية لاعبينا ليست كأوروبا؛ فالفكر مختلف تماما، لست ضد هذه المبالغ لكن علينا أن نعدهم نفسيا وعمليا من مختلف النواحي، لاعبونا بعيدون عن ثقافة الاحتراف. ** ماذا تتذكر وأنت تنظر إلى الاحتراف اليوم وما فعله باللاعبين؟. - اللهم لا حسد.. اليوم هم يتسلمون الملايين، ويركبون أفخر السيارات ويسكنون أرقى الفنادق، غير أن الفرق كبير بين عطاء اللاعبين قبل الاحتراف ومستوياتهم اليوم، في السابق كنا نتذابح للوصول إلى التشكيلة، من خلال الحرص على التدريبات ومضاعفة جهودنا، لكن الآن طالما ضمن اللاعب مستقبله فلن يقاتل وهذا ما أدى لتراجع الكرة السعودية. ** لماذا القدساويون دائما بعيدون عن ناديهم عكس الاتفاقيين؟. - هذا الأمر يعتمد على الإدارة، هي التي تقرب الناس أو تبعدهم، فلن يأتي لاعب يعرض نفسه على الإدارة، وللأسف القادسية تعاني من جفاء إداراتها لأبناء النادي، عكس إدارة الاتفاق المتواصلة مع اللاعبين ومن خدموا النادي وبينهم لقاء وتجمع في شهر رمضان، وبينهم لقاء شهري وهناك مجالس تجمعهم كما يلعبون مع بعض بعد الاعتزال، في القادسية جميع السبل مقطوعة بيننا نحن اللاعبين ومع الإدارة، وفي القادسية وصل الحد ببعض الإدارات أن تطرد لاعبيها من النادي وترفض دخولهم حتى للتدريبات الانفرادية، أليس هذا الأمر محزن ومؤلم؟. لا تواصل ولا تقدير ** أي إدارة قدساوية كانت هي الأقرب لكم بعد الاعتزال؟. - بالنسبة لي ولا إدارة تولت رئاسة النادي وحاولت التواصل معنا، وليت الأمر توقف عند هذا الحد؛ بل لا يوجد إدارة واحدة جاءت وقدرت نجوم النادي السابقين، فهمُّ الجميع الوصول لكرسي الرئاسة وبعدها (يفتح الله)، كل الكلام يطير في الهواء والبرامج تذهب مع الريح، وسياسة التقريب تواصل انقطاعها، هذا هو حالنا في القادسية، لذا تجد الصراع والخلافات مستمرة مع كل الإدارات بما فيهم إدارة الهزاع. ** ما رأيك بانتخابات إدارة القادسية وهل شاركت فيها؟. - أنا كنت مع المرشح معدي الهاجري الذي خسر بفارق صوتين، ورغم ما حدث في الانتخابات من سباق وتنافس؛ غير أن الإدارة لم تقدم أي جديد وإن كان الفريق يقدم مستويات جيدة لكنه لا يمتلك البديل الجاهز الذي يستطيع أن يواصل به عروضه الجيدة. ** ماذا كان يميز القادسية عندما كنت لاعبا؟. - داخل الملعب لم نكن على قلب واحد وبالعكس عندما نكون خارجه، ولعل هذا ما أثر فينا وجعلنا نقدم مستويات متفاوته من موسم إلى آخر. ** ما الشيء الذي يضايقك ويجعلك تتحسر عندما كنت لاعبا مميزا وترى نفسك اليوم في عالم المنسيين رياضياً؟. - هذا الأمر لا ينطبق على جميع الأندية، ومن الصعب أن نعمم فهناك أندية تحترم لاعبيها وخبرات إدارييها وتستفيد منهم في مواقع مختلفة تدريبية كانت أو إدارية. ** ماذا تقول عن الإدارية الحالية برئاسة الهزاع؟! شخصيا لا أرى أي تطور، أو تقديم ما هو مفيد للقدساويين، فالأوضاع بقيت على سوء حالها، ولعل ما يحدث طبيعي في ظل إدارة لا يوجد فيها سوى شخصين الهزاع والموسى والبقية غائبون، ولا نعرف عنهم شيئا. وأتساءل: هل رجال الخبر مع الإدارة لماذا لم يحركوا ساكنا لعودة رجال القادسية (أحمد الزامل، وعلي بادغيش، وعلي البلوشي، والدكتور صالح الدوسري، وعوض النوبي، وهارون الصوفي) هؤلاء من كتبوا تاريخ القادسية وقدموا الغالي والنفيس هل يعقل أن يظلوا مغيبين عن النادي؟. الحروب مستمرة ** من خلال خبرتك ومتابعتك للنادي بعد اعتزالك ما أبرز سلبيات القادسية؟ - مشكلة القادسية واضحة في الإدارات، كل إدارة تأتي تحارب اللي بعدها، ومن يترك رئاسة النادي لا يدعم بل يحضر مباريات الفريق عطفا على تكفله ببعض الأمور الخاصة بالفريق، هذا الأمر موجود في كل الأندية عدا القادسية فهو خارج حسابات إدارييه. ** لماذا اختفت حدة التنافس في ال (دربي) بين القادسية والاتفاق ولم يعد كما كان في السابق؟. - لأن الفرق شاسع بين لاعبينا في السابق واللاعبين الحاليين، فتلك الحقبة كانت مملوءة بالنجوم من الناديين أمثال صالح خليفة، وجمال محمد، وعيسى خليفة، والبدين وعندنا وجدي مبارك حمد الدوسري وسعود جاسم، وبورشيد، والفرحان، وخالد الدوسري، ولؤي السبيعي، حتى الاهتمام الإعلامي كان أكبر. ** ماذا يحتاج القادسية لكي يعود قويا؟. - من خلال متابعتي الفريق أرى أنه جيد ويقدم مستويات جيدة، ويحتاج إلى مدافع جيد يستطيع أن يقوده لأنه من أضعف خطوط الفريق. ** هل تتابع الدوري بشكل متواصل؟. - بكل تأكيد أنا على إطلاع بأوضاع الدوري، فإلاعلام وفر لنا المعلومات والإنترنت أراحنا كثيرا في البحث عن أي معلومة حول الدوري. ** من لفت انتباهك من الفرق؟ وأي اللاعبين الأجانب لفت نظرك؟. - من الفرق أرى أن الأهلي والاتفاق هما الأبرز في هذا الموسم من خلال المستويات الجيدة والتفاهم الكبير بين لاعبيهم، أمام على مستوى اللاعبين يثير اهتمامي مهاجم الأهلي فيكتور ومهاجم الاتفاق تيجالي ومهاجم القادسية حاج بوقاش. ** مر على القادسية عدة حراس بعد الاعتزال فمن منهم نال إعجابك؟! - هناك حراس جيدون مروا بالفريق ووصلوا إلى المنتخبات السعودية، فهد الشامي، وحسين الصادق، وهاني العويض، ويوسف الجميعة، وآخرون، وأعجبني يوسف الجميعة فقد كان برأيي مشروع حارس عالمي، فهو يمتلك كل مقومات الحارس الناجح من جسم وطول لكنه لم يوفق ويصل لتحقيق أهدافه. النجعي يدفع الثمن ** وماذا تقول عن الحارس الحالي منصور النجعي؟! - كما قلت لك سابقا دفاع القادسية جميع لاعبيه من الشباب ولا يملكون الخبرة، ما يجعل الحارس يدفع ثمن الأخطاء ويتحمل عبئا كبيرا، والنجعي حارس رائع وهو وراء ما يقدمه الفريق من مستويات جيدة من خلال خبرته، ورغم النتائج الكبيرة أحيانا تجده يخفف من ثقلها بتصديه لأربعة أو ثلاثة أهداف. ** هل تشعر باختلاف بين رياضة زمان ورياضة اليوم؟. - في زماننا كانت الروح والمستويات الفنية أفضل بكثير منها حاليا، المادة عنوان واضح في الوقت الحالي، إلى جانب البروز الإعلامي للقنوات الفضائية والبرامج المتعددة، عكس وقتنا حين كان المتنفس الوحيد الصحافة الورقية. ** كلمة أخيرة - أشكر جريدة «الرياض» التي تذكرتنا لتقدمنا من جديد للجماهير الرياضية في الوقت الذي تنكرت لنا فيه أنديتنا وأبقتنا في ذاكرة النسيان. أوافق على انتقال الشهراني ** اشتهر القادسية ببيع عقود النجوم بمبالغ خيالية؛ لكنه لا يزال فقيرا وينافس على البقاء بدوري «زين ماتعليقك؟. السبب يعود بالتأكيد إلى الفكر الإداري، فأين صرفت هذه الأموال؟ المشكلة في غياب الوعي وكيفية الاستثمار لتصريف الأموال، للأسف صفقة كريري والودعاني وبعدها زيد المولد ثم فوزي الشهري فياسر القحطاني والطريدي ويوسف السالم وعبدالكريم وعبدالملك الخيبري وأخيرا المهاجم محمد السهلاوي وكل مبالغ هؤلاء النجوم لم تبنِ لنا فريقا أو تنجح في تقديم فريق قدساوي مختلف بل العكس من ذلك لم يتقدم القادسية ولا يزال يبحث عن طوق النجاة؟. ** هل أنت مع انتقال ياسر الشهراني؟ عاطفيا لا . . فأنا أتمنى استمراره في القادسية، أما بالنظر لتأمين مستقبله وتحقيق أهدافه أقول نعم، فالنادي الذي سينتقل إليه سيرفع مستواه ويحقق أمانيه من خلال المنافسة على البطولات وتحقيقها مع غير القادسية، إذا كانت مبالغ الشهراني ستذهب كبقية المبالغ التي سبقتها أقول: لا وبشدة فليبقَ في القادسية.