طوال الأيام الماضية والتي عقبت انعقاد ملتقى المثقفين، وما أحدثته تلك التغريدة الإلكترونية للكاتب صالح الشيحي حول انطباعاته عن طقوس هوامشه في بهو الماريوت المكان المخصص لإقامة الضيوف فيه، وأنا أتبادل اتصالات هاتفية مع الأصدقاء تدور كلها في فلك التعليق على هذا الحدث بأبعاده الثقافية والأخلاقية، وكنت في كل مرة أؤكد للأصدقاء من أن الشعراء عصافير وجود يجب أن لاتأخذهم الأحداث إلى حيث يحلقون في غير سماواتهم ويحطون على غير أغصانهم، ولهذا لم أنشغل يوما بالتقاطع مع مثل هذه المواقف المتكررة من ثمانينات القرن الماضي على الرغم من أنني قضيت سويعات في البهو في إحدى ليالي الملتقى برفقة الصديق الشاعر د. زياد آل الشيخ، لكنني في الوقت ذاته وبعد متابعتي لأكثر من حلقة تلفزيونية تدور كلها حول هذا الحدث سواء جاءت من خلال أطراف فاعلة فيه كما هو الحال في حلقة برنامج ياهلا التي استضافت الشيحي والكاتب عبده خال في مناظرة مبكرة وشهدت مداخلات متعددة سواء من الصديق المتميز عضوان الأحمري الذي كان حاضرا في الاستوديو أو من الصديق الآخر أحمد العرفج، أو تلك الحلقة من برنامج البيان التالي على قناة دليل والتي استضافت الشيخ الدكتور محمد العريفي وشهدت مداخلات الدكتور آل زلفة والكاتب صالح الطريقي، على أن حضور الدكتور عبدالله الغذامي عبر قناة روتانا خليجية في برنامج لقاء الجمعة وكما هو متوقع جاء أكثر تأثيراً ووعياً وقراءة للموقف، وفي كل هذا لايمكنني بشكل( خاص وذاتي) إلا أن أضع الموقف بكامله في سلة التكرار المستمر الذي لن ننعتق منه يوما مالم نقف جميعا على قيمة وطنية رسمية موحّدة، وتبدو الأزمة في مجملها من وجهة نظري الخاصة بسبب غياب هذه القيمة، فما تراه فئة صوابا، تراه الأخرى خطأ، وبالتالي يظل المشهد انتقائياً لكلا الطرفين، فإذا كان الاختلاط بين الرجل والمرأة أحد ملامح الملتقى وآلية فعالياته وما أقرّته الجهة الرسمية الراعية لهذا الملتقى ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام فإن كل ما ورد في تغريدة الكاتب صالح الشيحي يبقى أمرًا انطباعيا وانتقائيا للممارسات أيّا كانت ، ولايمكن تعميمها أو البناء عليها ، حينما يشترك فيها الإنسان في كل فعالياته الثقافية والحضارية والاجتماعية والسلوكية ويظل موقفه منها أمراً يخصه وحده ينطلق من رؤيته وثقافته وفهمه لها، ولا يعدّ شهادة يطير بها المناوئون ، فالحوار والجوار والمناقشة المفتوحة في البهو إحدى مخرجات هذا التنظيم والرعاية وتبقى الممارسات المتباينة والمتفاوتة من طبيعة مجتمع سعودي لايمكن أن نغفل تنوعه وتباينه في عاداته وتقاليده وفهمه لطبيعة علاقته بالمرأة ، وهو تباين شاسع تماماً لايمكن أن تؤطّره رؤية خاصة أو ثقافة فردية أو بيئة اجتماعية معينة ثم الاستعانة بالدين تحت مظلة ( يغضب الله ورسوله ) لتعميمها لينحاز له المتربصون بالمشهد ، ومن المفجع فعلا أن يحدد هذا الرأي الانطباعي الخاص جدا التوجه الثقافي لهذا المجتمع ، وهذا مايأخذه المثقفون على كاتب التغريدة ، وهو ذاته ما اعتدّ به التيار المناوئ ، الذي يرفض هذا الاختلاط في حقيقته ويناضل من أجل خلق مبرراته ودوافعه لهذا الرفض ، فوجد في تغريدة الكاتب شهادة جاهزة له فالكاتب محسوب على المنظومة الثقافية، حينما لايعتد المثقفون بالآراء التي تخرج عن منظومتهم ويشكّكون فيها، ولهذا كان كلام الكاتب صالح الشيحي في التويتر أمراً مرفوضاً وغير مقبول ، تصدّى له بجرأة أعلى هرم في منظومتنا الثقافية وزير الثقافة والإعلام د. عبدالعزيز خوجة شافاه الله وعافاه، بذات المنبر الذي خرجت منه عبر تغريدة مضادة، وعلى كل حال أظن أن الجدال في هذا والسجال سيظل مؤجّلا دائما دون حسم مالم تتفق جميع الأطراف على قيمة ثقافية اجتماعية موحّدة يختارها المجتمع وتسنّ تحت مظلّتها الضوابط والأنظمة ، لكل مناشطنا الثقافية والاجتماعية ، وآمل هذا حينما لا أتوقعه وإن كنت أتمناه لاسيما ونحن على أبواب تظاهرة أخرى تتمثل بمعرض الكتاب بعد أقل من شهرين ...