لا أعرف أي شيء عما دار في مؤتمر المثقفين السعوديين. ولا أعرف ما هي الأجندة المطروحة، ولا أعرف أصلا منهم المثقفين ولا أعرف حتى معنى كلمة مثقف التي اجتمع عليها هذا الخلق العظيم. ولكن على بعد آلاف الكيلومترات بلغني عن المرأة التي ظهرت حاسرة الشعر. تابعت بعض ما دار حول هاته الشعيرات التي أرهقت مثقفينا وأخرجتهم من الأوهام وأجلستهم في مكانهم الثقافي الصحيح. ليست قضية تلك الشعيرات وليدة مؤتمر المثقفين أو جلساتهم في بهو الفندق ولكنها ثقافة كاملة أحاطت بالأمة على مدى ربع قرن أو أكثر. لا ألوم من سماها خزياً وعاراً. فهذا التعبير هو أليق تعبير بالنتيجة النهائية. عندما نستعرض الفتاوى التي صدرت عن كثير من رجال الدين في الربع الأخير من القرن الماضي سنجد أنها تتعلق بالمرأة وسبعين في المائة من الفتاوى هذه تخصصت في شعر وجسد المرأة. ثقافة تم تجريعها المجتمع على مدى ثلاثين سنة دون هوادة. ضع في قوقل (السعودية) كلمة المرأة واطلبها على مدى زمن الإنترنت كلها: لن يظهر لك امرأة فازت بجائزة ولن يظهر لك امرأة اكتشفت عقاراً أو امرأة ألفت كتابا أو امرأة سافرت أو حتى ماتت. كل ما يتعلق بالمرأة يحوم حول ثلاثة مواضيع لا رابع لها. ملابس المرأة،طاعة المرأة لزوجها، جسد المرأة. اطلب في قوقول (شعر الوجه) ستنهال عليك آلاف الفتاوى والآراء والخطب والنصائح المغلفة في التحذيرات. إذا انهالت عليك المواد المتعلقة بشعر الوجه بكمية مخيفة لا تنسَ ان وجه المرأة يخلو تقريبا من الشعر. كل ما يتوفر عليه هو شعرتان فوق العينين. ولكن هذا لم يمنع من تكوين مكتبة بحجم مكتبة الملك فهد حول هاتين الشعرتين. اقترحت عليك أن تبدأ بباب شعر الوجه من باب الاشفاق لأني أخشى عليك من الاطلاع على الفتاوى الأخرى المتعلقة بالشعر النابت في مواضع أخرى من جسد المرأة. ثلاثون عاما لا شغل للأمة إلا النامصة والناتفة والصابغة والحالقة الخ. كل شعرة في المرأة مهما صغرت أو تخفت تفرغ لها عدد كبير من جهاذبة العلم وأساطينه وأمدوها بكل الأفكار التي تحتاجها حتى أصبح الشعر قضية يقاد بسببها أساتذة الجامعات إلى المحاكم. كل شعرة في المرأة ألف فيها مجلدات.إذا كانت الأمة تفرغت لتحديد نوع العباءة وطولها وعرضها ولونها ونوع القماش فيها والمكان الذي تباع فيه والأشخاص المصرح لهم بيعها فما جرى بالفندق سياق طبيعي. استطاعت روسيا أن تنتج سبعة وعشرين الف رأسي نووي رغم أنها لم تفرغ ربع عدد الذين تفرغوا لاستكمال مشروع العباءة. ما الذي يغضب المثقفين عندما يحتج إنسان غيور على تكشف شعر امرأة في بلاد الحرمين. إذا أخذنا الأمور في سياقها الطبيعي فإن قضية الخزي والعار التي انفجرت في المؤتمر ليست طارئة. الطارئ هو غيابها لو حدث.