عودة الجدل الساخن حول قتل الأرمن من قبل الأتراك، لم تقف عند فرنسا فقط، فقد دخلت إسرائيل على نفس الخط بالأخذ بنفس الاعتراف، لكن ماذا لو طلبت تركيا اجتماعاً إسلامياً ينكر فيه «الهولوكست» أو إبادة اليهود من قبل النازيين، وإبراز قضية «الترانسفير» أي نفي العرب الفلسطينيين، وهي اليد المؤلمة لإسرائيل التي تخشى الإمساك بها.. فرنسا لا تستطيع إحصاء جنائز جرائمها في قتلى مستعمراتها، وهي تكابر في إسقاط ذنوبها على غيرها، لكن التاريخ يظل وثيقة تنتقل لكل الأجيال، ولا تستطيع تغييب الحقائق، وشواهد أفعالها في أفريقيا وآسيا ومستعمراتها المختلفة، أو أن تختفي أو تضيع في سراب النسيان.. إسرائيل لم تجد مبرراً للاستيطان في أرض فلسطين إلاّ مذابح الغرب لليهود، لكنها مارست نازية أكثر دموية، وتعداداً للقتلى والمشردين من كل من قُتل من اليهود، لكن لماذا تبرز من بين كل الأحداث قضية مذبحة الأرمن فقط، ويطوي النسيان جرائم التاريخ المختلفة؟! هل لأن الطرف التركي مسلم، وبقية من يدينون بالمسيحية وغيرها، هم أصحاب الأيدي النظيفة من التلوث بدماء الشعوب سواء من قاموا بالإبادات الجماعية، أو التهجير، أو العبيد العاملين في المزارع والمصانع؟ فتحُ صحف السوابق بالإدانة لن يُعفي أحداً من الملاحقة القانونية، وشركاء الجريمة، فالمغول يعتبرون غُزاتهم الذين فتكوا ودمروا أبطالاً قوميين مثل هولاكو وجنكيز خان، ومثلهم الأوروبيون الذين يرون في الاسكندر الأكبر أعظم فاتح في التاريخ، وينظرون لبطولاته، لا لآثار ما تركه من جرائم بحق البشرية، والأسباب تنسحب على شعوب ودول اتخذت هذه النتائج بحفلات تاريخية تراها في صلب ما يميزها عن غيرها.. أوروبا ثم أمريكا هما من خلق الفوضى المدمرة في كل العالم، ولا تزال بصمات الجريمة حاضرةً حتى يومنا هذا، ونحن جزء من شعوب تعاني إلى هذا اليوم من روح العنصرية والكراهية، حتى إنه لا تفوت مناسبة إلاّ ويصوَّر فيها العربي بأنه شخصية بدائية دموية عاشقة للجواري والعبيد، ولا يوجد مسلم إلاّ والإرهاب معلّق برقبته، بينما لو جاء المنصفون ودققوا في تواريخ هذه الشعوب لرأوا الحقيقة بأنهم من صنع الرق، والاستعمار والإبادة لشعوب أصلية مثل الهنود الحمر، وشعوب أستراليا وأفريقيا، لإحلال الرجل الأبيض بديلاً يحق له اغتصاب الأرض وإهانة البشر.. لا ندري هل سنجد من يقوم بدور مدوّن التاريخ وتسجيله بوقائعه الحقيقية حتى تكون الأجيال الراهنة، والقادمة على علم بالأبيض والأسود في كل ما جرى من حروب واحتلال، لينشأ في ظله رصد تلك الأحداث وبمن ينصف من أمم، ويدين أخرى، ويحاسبها مادياً أو معنوياً، والهدف هو أن لا تكون القوة هي من يسنّ التشريعات ويصادق عليها بالإدانة طالما الوقائع شاهد إثبات لا تزول أو تنتهي بالتقادم الزمني.. فرنسا رفعت راية الحرية لكل الشعوب، ولكنها لا تستطيع تطهير نفسها من تواريخ جرائمها.. وإذا كانت ذاكرتها بلا ماض، فإن الشعوب لا تنسى، ومثلها إسرائيل التي لا تزال رمزاً قائماً للجريمة في سلوكها وفكرها، وأن تكون تركيا هي المذنب الأول فقط فهذا ليس صحيحاً، فالذاكرة تختزن كلّ شيء بما في ذلك ما جرى ويجري من أحداث..