منذ أيام نشرت معظم الصحف شعار اليوم العالمي لمكافحة التدخين ومعهه قائمة بالإحصائيات والأرقام وعدد ونوعية الضحايا.. فهل يا ترى يطلع على تلك الحقائق المدخنون؟.. أبداً.. فالتوصيات المباشرة هي آخر ما يود المدخن أن يستمع لها.. لماذا؟ لأنه يعرف مقدماً ما ترمي إليه المحاولة وهو حتى هذه اللحظة ليس مستعداً أن يتخلى عن التدخين.. وبمعنى أصح ليس مقتنعاً على المستوى النفسي.. فكيف إذن نستطيع الوصول إلى منطق مقبول بيننا، وهل جميل ان لم نساهم في تقليل أعداد المدخنين على الأقل وفي تقليل عدد السجائر المدخنة؟ في تقرير عن الاحصائيات «الشرق الأوسط» فإن عدد المدخنين حالياً يبلغ نحو 1,3 مليار شخص ويتوقع أن يصل بعد عشرين عاماً الى 1,6 مليار شخص والغريب أنه في الوقت الذي يتناقص فيه عدد المدخنين في الدول المتقدمة وهي الدول الأكثر إنتاجاً للتبغ فإن معدلات استهلاك السجائر في الدول النامية في ارتفاع مستمر، وقُدر عدد المدخنين في هذه الدول بحوالي 80 في المائة من عدد المدخنين على مستوى العالم. ورغم انخفاض مستوى الدخل الفردي في معظم هذه الدول بالمقارنة مع الدول المتقدمة إلا أنه يوجد واحد بين ثلاثة أشخاص يمارس التدخين. هل اتجاه هذه الإحصائيات يقول لنا شيئاً مفيداً؟ الواقع أنه يفعل لو أمعنا النظر في تلك الحقائق ولكن الذي لا يقوله لنا هوكيف يمكن الوصول إلى الوعي الجماعي الصحي للمجتمع وخاصة بين فئة المراهقين والشباب الذين يبدأ أغلبهم عادة التدخين في مراحل الثانوية ومستوى الجامعة.. أفكر في صعوبة أداء التمارين الرياضية لمن يدخن والناس كلها أصبحت بحاجة إلى بركة الحركة.. وأفكر في الحرب المضادة التي كشفتها أجواء الشباب الداعمة لروتين التدخين بحيث يصعب أن ينفرد أحدهم بالإقلاع عن العادة دون حركة ارتدادية أو انسحابية بتأثير جماعته. وبيئياً تأتيني الآن عادة وضع التتن في الفم عند كبار السن عندما كنا صغاراً ولا أدري حقاً إن كانت كمية وضع التتن في الفم لعدة ساعات باليوم تعادل الآن ما يعترف به البعض هداهم الله من تدخين 50 سيجارة وأكثر باليوم.. فهناك امرأة في محيطي انقطعت عن عادة التدخين عدة سنوات لتعود لها مؤخراً معللة بعذر الطفش. وأذكر انها قالت لنا ذات مرة تعبيراً أعتبره دقيقاً لوصف علاقة المدخن بالسجائر.. إذ أنها أدركت في ساعة تجلّ كما يقولون بأنها تحتاج أن تنسى السيجارة!.. والواقع بأننا لو تأملنا قليلا ماذا يحدث عندما يدخن الناس سيجارة تلو الأخرى دون حساب حتى أثناء تناولهم الطعام لكان أول ملاحظة تبدو لنا بأنهم فعلا غير واعين بحركة التدخين التلقائية وطالما هم بصحة جيدة والحمد لله فإن مخاطر التدخين تبدو أشياء تحدث للآخرين فقط.. وآخر قريب لي يدهشني بأنه يدخن 5 أو 6 سجائر باليوم فقط وعندما أسأله مشيدة بالتزامه كيف يفعلها يحكي لي كيف ان زوجته كانت تستقطع عدداً معيناً من السجائر من الباكيت كل يوم وتدع له حرية تدخين البقية إلى أن وصل الى نصف باكيت وأخيراً الى ربعه.والآن إن كان يصعب فعلاً إقناع الناس بالتوقف عن التدخين فإن أقرب حل وسط معهم يبدو هو التفاهم على تقليل عدد السجائر المدخنة وأجمل مثال يقدم نفسه في هذا المضمار «أي وعي الإنسان ومسؤوليته الذاتية في السيطرة على عادات الأكل والتدخين» هو النظام الغذائي الذي تقدمه مجموعة نوادي Weight Watshers في العالم لإنقاص الوزن حيث يعتمد مبدأ تدوين كل ما يتناوله الشخص من طعام في اجندة خاصة ويتم حسابها بجمع النقاط في نهاية اليوم وهناك فئات متعددة الوزن تحتاج الى عدد نقاط مختلفة وما يهم في الموضوع هو إشراك وعي الشخص نفسه في ضبط وتقرير ما يتناوله من خلال كتابة وتدوين كل شيء. وعليه فإن اقتراحي للمدخنين بشراهة والذين لا يستطيعون التوقف عن التدخين هو على الاقل كتابة كل مرة يدخنون فيها سيجارة وسيجدون في نهاية اليوم الحقيقة ماثلة أمامهم..وقد يختارون في هذه الحالة أن يقللوا عدد السجائر المستهلكة بناء على الوعي والملاحظة فأغلب هؤلاء هم ازواج واشقاء وابناء لهم أهل يخافون عليهم.