شرّف الله هذه البلاد المباركة بأن تكون مهبط الوحي ومهوى الأفئدة وقبلة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وكان لهذا الطابع الإسلامي الذي ميّز المملكة العربية السعودية أثر في تنظيمها ورعايتها واحتضانها المناسبات الإسلامية المختلفة، وأبرزها مسابقات حفظ القرآن الكريم المتنوعة ما بين محلية ودولية، يشارك فيها من أكرمهم الله بالاهتمام بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوة، والانشغال بقراءته وتدبره، وتأمل معانيه وأحكامه. وحيث أكرم المولى سبحانه هذه الفئة بهذا النوع من الاهتمام فإنه كذلك قد أكرم شخصيات وجهات بتبنِّي مسابقات لحفظ القرآن الكريم، وجَعْلها مسابقات دولية تستضيفها أرض المملكة، ويشارك فيها كل مهتم بالحفظ والتلاوة من دول العالم الإسلامي كافة. ويأتي على رأس الجهات المهتمة بهذا الشأن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ذات التاريخ العريق في تنظيم هذه المسابقة، حيث تستضيف هذه الأيام دورتها ال (33) الهادفة إلى جعل القرآن الكريم حياً في القلوب والنفوس، رطباً على الألسنة، موجِّهاً للأخلاق والسلوك، وهذا لا يتحقق إلا بحفظه وكثرة مدارسته، ولن يجد الحَفَظَة خيراً من هذه المسابقات لتعزيز طاقاتهم على الحفظ والتلاوة والمدارسة. وحسب حَفَظَة القرآن فضلاً أنهم أهل الله وخاصته-كما جاء في الحديث الشريف-، وحسبهم رضىً شفاعة القرآن لهم يوم القيامة، وحسبهم أجراً أن لهم بكل حرف حسنة، وأن درجتهم في الجنة تكون عند آخر آية يقرؤونها، وحسبهم عزاً أن الله يرفعهم بالقرآن في الدنيا ويعلي به مكانتهم، هذا غيض من فيض تواترت فيه الأحاديث النبوية الدالة على فضل القرآن وثواب حافظه. ولم يجعل الله جل وعلا ثمرات القرآن على حافظه مقصورة على الآخرة فحسب، بل جعل له فضلاً كبيراً في الدنيا أيضاً، فقد أثبتت دراسة أجراها باحث في إحدى جامعات المملكة أن للقرآن أثراً كبيراً في رفع مستوى الصحة النفسية، وحفظ التوازن الداخلي للفرد. وتعزَّزت نتيجة هذه الدراسة بالبحث الصادر عن معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث بأمريكا الذي خلص إلى أن (79%) ممن استمعوا إلى آيات من القرآن الكريم ظهرت عليهم تغيرات وظيفية تدل على انخفاض درجة التوتر وارتفاع مقابل في نشاط جهاز المناعة ومقاومة الأمراض والشفاء منها. وحتى على مستوى الوعي والذكاء فقط أظهرت دراسة أن (70%) من الطلاب الذين بدؤوا بحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة متفوقون في دراستهم وحاصلون على المراكز الأولى في المدارس والجامعات. أما عن دلالات هذه المسابقة القرآنية التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية فأبرزها أنها تسير في اتجاه مضاد لتيار مسابقات إلهاء الشباب وإفسادهم، ولاسيما أن جيل الشباب اليوم يواجه استقصاداً من دعاة الضلال للانحراف به عن دواعي الرشد، وهذه الحملة التي تتزعمها بعض قنوات الإعلام تستلزم تحركاً موازياً لاستلال الشباب من الانجراف في ذلك الوادي السحيق وإنقاذه قبل أن تستحكم عليه قبضة الشر. ولا شيء أفضل ولا أكثر خيراً ولا أجراً من احتواء الشباب بمثل مسابقات حفظ القرآن الكريم التي تجمع إلى جانب فضل الحفظ تقويم السلوك، وإصلاح الأخلاق، وعمارة الأرض استرشاداً بهدي القرآن الكريم في ذلك. أسأل المولى الكريم أن يكتب النجاح لهذه المسابقة التي تنطلق برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يحفظه الله- الذي يحرص دائماً على دعم مثل هذه المسابقات وكل ما من شأنه خدمة الإسلام، كما أسأله أن يوفق المنظمين والمشاركين فيها، وأن يجعلها تجمعاً مباركاً يرفع حاضريه في الجنة درجات. * مدير جامعة الملك سعود