استعرضنا في الحلقة الماضية جوانب من برامج إستراتيجية الحماية ومنطلقات التخطيط والأهداف التي ينبغي تحقيقها من أجل رفع كفاءة البرامج والأنشطة الموجهة نحو الحماية من خطر تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية. وفي هذا الأسبوع نواصل الحديث عن أسس ومعايير متطلبات العمل ومعاييره الأساسية واستخدام الوسائل والمنهجيات والآليات الملائمة . أولاً : متطلبات العمل في مجال الحماية هناك مجموعة من المعايير الأساسية لأداء المؤسسات والجهات التي تعمل في مجال الحماية من خطر تعاطي المخدرات وهي: أن يكون العمل مبني على احتياج واقعي وملموس ومخطط له بعناية ويتكامل مع بقية الجهود وفق معايير العمل المهني في مجال برامج الحماية. أن تكون خطة العمل التي تتبنها المؤسسة والجهة، نتيجة لتشخيص علمي لواقع الظاهرة ينم عن معرفة بواقع الاحتياج حسب البيئة التي تعمل بها هذه المؤسسة لمواجهة الأفكار السائدة والقيم والسلوكيات التي تؤدي إلى التعاطي. أن يتم تصميم خطة أداء سنوية ذات أهداف وأنشطة وبرامج محددة. تحديد مجالات التنفيذ المكانية والزمانية وأساليب التطبيق والنتائج المتوقع تحقيقها. استقطاب المتخصصين وتدريبهم على أساليب التنفيذ والتطبيق. إشراك المستهدفين في تصميم البرامج وتنفيذها. تحديد الطرق والوسائل ذات الفاعلية في تنفيذ برامج الحماية. مراقبة تطورات الظاهرة والأداء الذي تنتهجه هذه المؤسسات من أجل التقويم والتطوير. التنسيق مع الجهات المعنية والشريكة من أجل تنسيق الجهود والمشاركة في التنفيذ. التطوير والتدريب المستمر للعاملين في المؤسسة لرفع مهارات الأداء. ثانيا ً: الأداء والعمل لحماية الشباب ومبررات نمذجة الأداء إن مؤسسات الحماية والأفراد الذين يعملون في مجال التعليم والتثقيف والتوعية والإرشاد، هم من يجيدون العمل على حماية الشباب من خطر التعاطي وبشكل فاعل، حينما يسعون للتعرف على أصول مواجهة ظاهرة المخدرات من خلال برامج الحماية وما تتطلبه من معايير أداء فاعلة. ويسئ من يجهل هذه الأصول بشكل بالغ للمجتمع ولوعيه ولإستراتجية المجتمع في حماية الشباب من خطر التعاطي، وتزيد مخاطر العمل السلبي حينما يتم العمل في مجال الحماية بدون خطة أو دون خبرة وبدون معايير أداء وعمل . ورشة عمل حماية المجتمع من الظاهرة فمن يدرك أنه يخاطب عقول الناس الذكية والمتبصرة والمتأملة، فعليه أن يدرك أنه يسعى ويعمل على تشكيل قناعاتهم وقيمهم، فالكلمات والتصرفات والبرامج الضعيفة قد تسبب في تشوية قناعة الناس بفاعلية برامج الحماية. وقد يكون لها مفعولاً عكسياً في رأي المتلقي أو الشخص المستهدف ببرامج الحماية والتوعية، وذلك بسبب أن ظاهرة المخدرات فقد الأكثر تهيجاً وتفاعلاً مع الأخطاء البسيطة، التي قد تصدر حتى من أطباء ومن متخصصين في مجالات الإرشاد والتوجيه والعلاج النفسي، فربما تسبب الأخطاء والنقص المعلوماتي والمبالغة والتشويش وعدم المنهجية، في منع الناس من تبني أفكار رفض المخدرات أو قد تكون لها نتائج وخيمة فتعلمهم طرق وأساليب لتعاطي المخدرات أو ترويجها أو تهريبها، ومنها تعلم بعض المبتدئين في التعاطي أساليب لمخادعة الأسرة وللتحايل على المجتمع كما أنها تنبه عالم جريمة وتجارة المخدرات إلى تحركات المجتمع وتجعلهم يعملون بشكل مغاير للتوقعات . فقط نالوا منها الحزن والندم ثالثاً: مفهوم الحماية من التعاطي يقصد بالحماية من تعاطي المخدرات، استخدام الوسائل والمنهجيات والآليات الملائمة وفق خطة عمل لحماية الأفراد وطرق تفكيرهم من خطر تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، عبر التركيز على تحقيق الغايات التالية: تقديم معلومات دقيقة عن خطر تعاطي المخدرات وترويجها والتورط في بيعها. بناء المعرفة والوعي الكافي المساعد على تنمية سلوكيات مضادة لتصرف التعاطي وقبول المخدرات. تشكيل الاتجاهات والقيم الرافضة للمخدرات ولتعاطيها ولمستخدميها. تطوير فهم المتلقي بالقواعد والقوانين الخاصة بقضايا وعقوبات تعاطي المخدرات أو ترويجها. تطوير المهارات الفردية لرفض تعاطي المخدرات. تطوير وعي الأفراد بخطورة التعاطي فضلاً عن تنمية شعورهم باحترام الذات. توضيح المخاطر والنتائج المترتبة على السلوك المرتبط بالمخدرات. توضيح طرق وأساليب التنشئة الأسرية الملائمة لحماية الأبناء من خطر التعاطي. أن تكون المادة المقدمة مناسبة لاحتياج المجتمع والمتلقي. رابعا ً: مبادئ الحماية من التعاطي. إن وعي وإدراك مبادئ الحماية من تعاطي المخدرات تعتبر من أهم أركان العمل في مجال التعليم والتثقيف والتوعية و لقد تبين أن هناك فهماً خاطئاً لمعنى التثقيف والتوعية المستهدف بها حماية الناس من تعاطي المخدرات. البعض يعتقد أن عملية منع الشباب وصغار السن من تعاطي المؤثرات العقلية أو حتى وقف ميلهم لتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، عملية تقف فقط عند حد إعطاء معلومات أو حتى تناول الموضوع وإحضار بعض المتحدثين أو الاستشهاد ببعض المواقف وذكر القصص المحزنة. أن النصح والإرشاد اللفظي والمحاضرات التثقيفية الكلامية أو التلفزيونية المباشرة الموجهة للفئة المستهدفة، آخر العمليات التعزيزية لبرامج الحماية وتعد حالة تأكيد على معطيات سابقة تم انتهاجها لحماية الناس من تعاطي المخدرات. ونتيجة لهذا الفهم المشوش لمعنى التوعية والتثقيف الإعلامي في مجال المخدرات وحصرها في نقطة ضيقة جداً تظهر على السطح أنشطة وفعاليات مشوشة وأحيانا مغلوطة لها آثار عكسية . عالمياً، أصبحت السياسات والبرامج المشيدة في مجال الحماية من قابلية تعاطي المخدرات، برامج متطورة جداً، وهي مصممة في ضوء نتائج البحث العلمي الماثل في دراسة طبيعة المشكلة ومن ثم رسم السياسات والبرامج وفق خطة عمل للحماية بعيدة المدى. ومحتويات هذه السياسات ليس مجرد تعرض عابر أو قصص وحكايات عاطفية أو محاضرات يحي الناس بها همومهم وتعثراتهم في مجال مواجهة ظاهرة المخدرات . برامج الحماية وما تشمله من عمليات تثقيف وتوعية وتربية وتعليم، الموجهة لمنع الناس من الوقوع في تعاطي المخدرات لها معناً واسعاً يمتد من إقامة أنشطة متتابعة ومفعلة على أرض الواقع، إلى عملية شغل الناس وتدريبهم وتربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم عبر الحوارات والبرامج والمسابقات المستمرة. ويصل الأمر حدود جعلهم يمارسون أنشطة دائمة، شريطة أن تكون أنشطة فاعلة في تطوير السلوك والفكر والاتجاهات. تجعل من الناس الآخرين يتصرفون وفق مبادئ معينة عبر برامج نشطة تمتد لأسابيع وتكرر بصفة دورية ولكن بشكل مطور. إن أقل جانب في العمل بطريقة الحماية هو عملية التلقين والتنبيه والمحاضرات والتي تأتي في مرحلة ثانوية من العمل التأكيدي على معطيات وبرامج حماية سابقة. بينما أولى وأهم وأعلى جانب فيها يتمثل في التدريب و تزويد المتلقي والفئة المستهدفة بأحدث المعلومات المتكاملة، والقيام بأنشطة وممارسة وتطبيقات عملية، فضلاً عن استخدام عدة طرق وبرامج وسياسات حماية متعددة لمواجهة فاعلة مع ظاهرة المخدرات. خامسا : أسس تصميم برامج التثقيف هناك مبادئ وأسس لتنفيذ برامج وأنشطة حماية على مستوى التعليم والتوعية والتثقيف وتصميم البرامج المتخصصة في هذا المجال، لأي جانب من جوانب ظاهرة المخدرات، أو في تصميم سياسات وبرامج للوقاية من تعاطي المخدرات ولحماية النشء من أخطارها. تتمثل في: التخصص العلمي في مجال علم ظاهرة المخدرات، لمن يعملون في مجال تصميم البرامج. معرفة مستويات مواجهة ظاهرة المخدرات الأمني والاجتماعي. التخصص الدقيق في معرفة أصول مواجهة الظاهرة عبر برامح وسياسات الحماية وفقاً لطبقات المواجهة الاجتماعية وأوليات التعامل مع عوامل المشكلة. معرفة المجالات الاجتماعية والفئات المستهدفة لمنهجية البرامج . معرفة عوامل الخطورة المحلية التي تشكل ظاهرة تعاطي المخدرات، لمراعاتها في تصميم البرامج. معرفة عوامل الحماية الفاعلة في حماية الفكر والاتجاهات والسلوك من خطر تعاطي المخدرات. معرفة العلاقة التبادلية بين ظاهرة المخدرات والجريمة والجهل والفقر. معرفة خصائص ظاهرة المخدرات محلياً. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم والتخطيط للحماية عبر المجالات الفاعلة في مواجهة ظاهرة المخدرات والمؤثرات العقلية .