على الرغم ان الاكتتاب في الشركة التعاونية للتأمين تم اقفاله الاثنين الماضي، إلا ان النقاش حول نشاط الشركة لم يتم حسمه من وجهة النظر الشرعية حتى الآن فهناك رأيان فقهيان متابينان حول شرعية تعاملات التعاونية. ومع ان البعض ينظر الى هذا التباين بنظرة قاصرة لا تتعدى المصلحة الفردية المرتبطة بالاستثمار في الشركة التعاونية او عدم الاستثمار فيها، إلا ان من المنصفين لواقع الحال لابد ان يقفوا وقفة احترام لجميع الاجتهادات حول هذه القضية، وعلى وجه الخصوص الاجتهادات التي ترى عدم شرعية تعاملات الشركة. فالقارئ لهذه الاجتهادات يلاحظ انها لم تأخذ الطابع التقليدي للفتوى من حيث النهي او التحريم المجرد بل قامت بدراسة القوائم المالية للسنوات الخمس الماضية للشركة، وهذا تأكيد لاهمية الموضوع سواء من قبل العلماء او المستثمرين، ومع ذلك فإن الرأي الآخر قد لاقى قبولاً ممن ترددوا في بداية الامر في الاكتتاب في الشركة. ولاشك ان اهمية الموضوع من الناحية الاقتصادية تحتم مناقشة الموضوع بشفافية وموضوعية، وبغض النظر عن التفضيل لأي من الرأيين. فحسب الدراسات الاقتصادية يعتبر سوق التأمين في المملكة هو الاكبر في العالم العربي، حيث تسيطر المملكة على 50% من سوق التأمين العربي والمتوقع ان يصل الى 15مليار ريال بحلول عام 2010(جريدة الجزيرة، العدد 11773). اضافة الى ذلك فإن الزام جميع الشركات بالتأمين الصحي التعاوني بحلول عام 2006م، واقرار نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني مؤخراً سوف يفتح آفاقاً اوسع لسوق التأمين في المملكة. فمن المتوقع ان يتم منح تراخيص مزاولة التأمين التعاوني لعشر شركات يصل رأس مال كل شركة 100مليون ريال سعودي، على ان تقوم كل شركة بطرح 40% من رأس المال للاكتتاب العام للمواطنين بسعر 50ريالاً. لذا فإن مناقشة الموضوع بهدوء مما يتطلبه المستقبل الواعد لهذه الصناعة آخذاً في الاعتبار سماحة الاسلام ويسره في استغلال المعاملات المباحة لخدمة الضرورات الاقتصادية الملحة. وحتى لا تتكرر الأخطاء التي حصلت في بدايات عصر البنوك عندما لم تهتم بالقيم السائدة في المجتمع فزاولت نشاطها بعيداً عن تلك القيم، ومن ثم راجعت مواقفها في السنوات المتأخرة بعد اعادة اكتشاف المعاملات الاسلامية ذات العائد المجزي تجارياً والتي تتماشى مع العصر. ولأهمية قطاع التأمين من الناحية الاقتصادية فإنه ينبغي التعامل مع الناحية الشرعية بشفافية اكبر تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي المسلم وتتناسب مع ما اكد عليه المرسوم الملكي رقم م/ 32الصادر في 1424/6/2ه والمتعلق بمراقبة شركات التأمين التعاوني حيث نصت المادة الاولى من النظام على أن يكون التأمين في المملكة عن طريق شركات تعمل بأسلوب التأمين التعاوني على غرار الاحكام الواردة في النظام الاساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني، الصادر في شأنها المرسوم الملكي رقم (م/5) وتاريخ 1405/4/17ه ، وبما لا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية. لذا فإنه من الواجب على جميع تلك الشركات، وعلى رأسها الشركة التعاونية ان تتعامل مع الناحية الشرعية بوضوح تام حتى لا تفوت فرصة الاستثمار في هذا القطاع على شريحة كبيرة من ابناء البلد. فمع تقديرنا الكبير للشفافية المالية والادارية التي تضمنتها نشرة الشركة المتعلقة باصدار الاسهم، إلا ان هذه النشرة لم تشمل الافصاح اللازم حول الرقابة الشرعية، كما ان تعليقات الشركة الصحفية حول الشبهة الشرعية لم يرق الى الاسلوب الموضوعي لدحض الشبهة. وبالتالي فإن المراقب لهذا الخلاف يستنتج ان الاجتهادات الشرعية من جانب والجهات الرقابية من جانب آخر قد وضعت الكرة في مرمى الشركة التعاونية لمزيد من الايضاح والافصاح حول عمليات التأمين في الشركة. وفي المقابل فإن الشركة ذات الخمس والعشرين ربيعاً وقفت في مدرجات المتفرجين لتتابع هذه الاجتهادات بنظرة تجارية صرفة وعلى اساس ان تغطية الاكتتاب مضمونة وكأن ورع ابناء المجتمع امر ثانوي، ومن ثم تكتفي الشركة بأنها شرعت بتأسيس هيئة شرعية لدراسة واجازة منتجات ومعاملات الشركة من الناحية الشرعية (بعد مرور 25عاماً على تأسيس الشركة). وختاماً فإن حساسية الموضوع الشرعية واهميته الاقتصادية توجب على الجهات ذات العلاقة اعادة النظر في منهجية الاكتتابات القادمة لشركات التأمين حتى لا تتكرر الضبابية مرة اخرى وحتى يتضح الامر للمساهمين المستقبليين. ومن المقترحات التي تساعد على ذلك انشاء ادارات التدقيق الشرعي لشركات التأمين قبل مزاولتها للنشاط، وقيام شركات التأمين بتوعية المجتمع والفقهاء بطبيعة عملياتها فالجهل بالشيء سبب في رفضه، واجراء دورات تدريبية مالية للمراقبين الشرعيين والعلماء لرفع مستوى الفهم لمنتجاتها، ومشاركة الجهات المهنية في اعداد معايير محاسبية للقياس والافصاح عن الانشطة التأمينية التعاونية. * أكاديمي - جامعة الملك سعود