منذ اندفاع أسعار النفط إلى معدلات عالية لامست الستين دولاراً للبرميل خلال الفترة الماضية تدفقت أسئلة كثيرة تدور حول الأسباب الحقيقية وراء ارتفاع أسعار النفط إلى هذا الحد؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟ والى متى سيستمر هذا الارتفاع ؟ وما هي انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي؟ وللإجابة على هذه التساؤلات لا بد من المراقب الحصيف أن يدرس بعناية الأسباب الحقيقية في تنامي الأسعار إلى هذا المستوى ويضع تحت المجهر جميع العوامل التي تحيق بصناعة الزيت من جهة وكون النفط سلعة عالمية تتأثر بأسعار السلع في الأسواق الدولية من جهة ثانية، ودور نفسية السوق من منفذ ثالث. وكان العامل الأساسي في تحليق الأسعار تفاقم مشكلة الإمدادات النفطية على خلفية الاضطرابات الجيوسياسية، متمثلة بالتوترات المستمرة في الشرق الأوسط، وإضرابات عمال النفط في بعض الدول المنتجة والكوارث الطبيعية التي أفضت إلى إغلاق بعض المرافق البترولية وكذلك التخوف من أن تواجه منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) مصاعب في تلبية الطلب العالمي رغم أنها أثبتت تماسكها وقدرتها على سد حاجة السوق. ومن المعطيات التي عززت من تنامي أسعار الطاقة موجة الارتفاع في أسعار السلع العالمية فلو أخذنا الذهب على سبيل المثال نجد أسعاره قبل عام ونصف 052 دولاراً للأوقية و الآن تضاعفت أسعاره إلى 034 دولاراً للأوقية وقس على ذلك السلع الأخرى. كما لعبت صناعة النفط دورا مهما في ارتفاع الأسعار حيث أنها لم تواكب النمو الاقتصادي الذي ينمو بنسبة 4٪ سنويا تمخض عن ارتفاع في الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 3٪ سنويا مما يعني أن الاستهلاك سيقفز من 28 مليون برميل يوميا في الوقت الحالي إلى حوالي 48 مليون برميل يوميا خلال العام القادم في الوقت الذي نجد أن عدداً من الدول النفطية بلغت ذروة إنتاجها النفطي وبعضها تحول من منتج إلى مستورد إضافة إلى شبه توقف منذ التسعينيات للاستثمارات في مجال صناعة التكرير و التي تعد المؤثر الرئيس في زيادة الأسعار. من جهتهم المضاربون كان لهم دور في ارتفاع الأسعار إذ أن توقعاتهم لزيادة مستقبلية في الأسعار أدت الى حدوث ظاهرة «كونتانغو» وهو مصطلح صناعي يطلق عندما تتخطى أسعار تسليم المستقبل أسعار تعاملات البيع الحالية مما يعني أن المضاربين سيواصلون ضغوطهم النفسية على السوق لرفع أسعار المعاملات القريبة لتحقيق الربح على العقود التي أبرمت بأسعار تفوق الأسعار الحالية. ووفقا لهذه المعطيات فإنني اعتقد بأن موجة أسعار النفط ليست فقاعة سوف تنفجر ببلوغها أعلى درجات الاحتقان و إنما الأسعار تسير وفق مؤثرات تدفعها الى هذه المساقات ولن تتراجع ما لم تنحسر أو يزول تأثيرها فالنفط سلعة غالية ومهمة في التنمية البشرية وأسعاره الحقيقية تفوق ما هي عليه الآن.