أثارت بعض أخبار الملحق الاقتصادي في هذه الجريدة يوم الأحد الماضي بعض شجون التعلق بمفاهيم الإبداع. ففي هذا الملحق إشارة إلى تحرك بعض القطاعات لطرح فرص وظيفية للشباب أو على أقل تقدير العمل على تطويرها . ومن هذه القطاعات الهيئة العامة للسياحة والتي أعلن سمو رئيسها الأمير سلطان بن سلمان عن العمل على توفير 56 ألف وظيفة في القطاع. وفي قطاع تأنيث المحلات النسائية في صفر المقبل هناك توقعات اقتصادية بإمكانية ذلك التأنيث توفير 300 ألف وظيفة نسائية. طبعاً هذا في الشق الإخباري الرسمي وفي الجانب التفاعلي مع القراء نجد الوجه الآخر للإحباط واليأس من تحقق تلك الوظائف. وفي ظني أن معهم الكثير من الحق إذا لم تنعكس هذه الوظائف على ارض الواقع فتحدث التأثير, فلن يكون للقول وقع الفعل. وأنا متأكد من أن هذه القطاعات قادرة على ذلك.ولكن الدور الباقي على قطاعات "الغمغمة" للوظائف التي هي بحاجة إلى حاوٍ لإخراجها للنور الإعلامي من الأدراج؛ حيث فشل الرقيب والصحفي معا. وبالعودة إلى الشق الإبداعي الذي يستهويني كثيرا منذ أن كنت طالبا في كلية الفنون الإبداعية بجامعة سان فرانسيسكو الحكومية أجد أننا بأمس الحاجة إلى إعطاء هذا القطاع الكثير من الاهتمام. فمنذ أكثر من عقدين من الزمن ونحن نسمع عن التحول الاقتصادي نحو اقتصاد الإبداع. فهذا النوع من الاقتصاد كما يراه أحد نجومه وهو جون هوكنز الذي ألف عدة كتب منها كتاب "الاقتصاد الإبداعي" عام 2001 وأعيد طبعه في 2007 يرى أن الاقتصاد كائن إبداعي حي قابل للتعلم والنمو والتطور وحتى التنظيم الذاتي . وبذلك فإن الأفكار الإبداعية الشخصية يمكن تحويلها إلى أفكار أو خدمات أو منتجات مجتمعية. ومنها يستطيع الفرد العمل والانجاز بعيدا عن الركض بملف علاقي يطرد حامله من موقع إلى آخر كما وردت في تعليقات القراء على خبري الوظائف أعلاه. ولذلك يؤكد هوكنز أن الاقتصاد الإبداعي لايمكن أن يزدهر بعيدا عن "التبيؤ الإبداعي"creative Ecology . والذي هو منظومة شاملة تضم عمليات تنمية الإبداع في المجتمع مثل ما تعمله مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع ,وخلق السياسات العامة وحماية الملكية الفكرية وتحسين بيئة الإبداع في التعليم.ولذا نشعر أننا بحاجة إلى خلق بيئة متكاملة النظم بحيث ينمو فيها الإبداع وتحمى فيها الحقوق الفكرية ,لأن سرقة الحقوق الفكرية سهلة جدا ما دام أن العقوبة ستكون "روح بلط البحر". فالحرامي الذي أمن العقوبة لن يسيء الأدب فقط, وإنما سيعمل على تحويل السرقة الفكرية إلى إبداع اقتصادي يحرم المجتمع من أفكار المبدعين. وهناك جانب حياتي آخر يشير إليه هوكنز وغيره ويهمني أن أسأله لنفسي ولكم وهو: كيف نعيش حياتنا إبداعيا ؟ وكيف نتعامل مع المعارف والأفكار إبداعيا؟ أسئلة بسيطة أعتقد أننا فقدنا الرغبة في الإجابة عنها فصرنا نردد عبارة "حط في الخرج". فعلى مستوى شخصي أقوم حاليا مع مجموعة من الزملاء طلاب برنامج الماجستير في الإعلام الرقمي بجامعة الملك سعود بتجربة تصميم أعمال إبداعية ثلاثية الأبعاد تشمل الكثير من القطاعات. وهذه الأفكار كنموذج للاقتصاد الإبداعي يمكن أن تكون نقطة تحول للعديد من الشباب في تكوين صناعة إبداعية لو تسهلت عملية الترحيب بالأفكار أو على الأقل تسجيلها وحمايتها رقميا بدلا من المراجعة المملة لدوائر ينتهى بالمراجع إلى الملل من عبارات "الموظف المختص غير موجود" أو "راجعنا بكرة" , وهي طبعا أفضل بكثير من عبارة" مالك سنع ". ولكن في خضم الحديث وصولا إلى هذه النقطة تذكرت المقولات الغربية عن الاقتصاد الإبداعي ووظائفه وهو عن ربة البيت التي تحولت إلى أسرع بليونيرة بعملات مناطقنا من جراء فكرة إبداعية حولتها إلى منتج ترفيهي انتشر بسرعة البرق عالمياً إنها السيدة جوان رولنج كاتبة قصص هاري بوتر. والتي تم تحويل فكرتها إلى سلسلة عالمية من الأعمال الإبداعية التي وفرت الكثير من الوظائف ولا تزال .ولعل المكان المخصص لهاري بوتر في مناطق دزني لاند يحكي القصة إبداعياً وتوظيفاً للشباب بشكل أبلغ من الفيلم أو القصة الورقية.