السلطات الجديدة في سوريا تطلق عملية بطرطوس لملاحقة «فلول النظام المخلوع»    غوارديولا راضٍ عن أداء مانشستر سيتي رغم استمرار نزيف النقاط    طارق السعيد يكتب..من المسؤول عن تخبطات هيرفي؟    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    الجيش اللبناني يتهم الاحتلال الإسرائيلي بخرق الاتفاق والتوغل في مناطق جنوب البلاد    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    وطن الأفراح    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    مسابقة المهارات    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن والصين، ذلك العملاق المجهول

الصين بلد حضارة عريقة يبلغ عمرها ما يزيد على عشرة آلاف عام، وهو بلد يعرف البعض منا مطبخه وسيركه فقط، ولا يعرف أن لهذا البلد تراثاً عريقاً في المعرفة والفنون وأنه بلد مستهلك للمعرفة وكثيف النشاط في مجال البحث العلمي
لو سألت أحداً في بلادنا عن الصين - الصين الشعبية أو الشيوعية - لأجابك بالآتي: بلد يقع في آسيا ويقع فيه سور الصين العظيم، بلد يضم ما يقرب من ربع سكان العالم - 1300 مليون نسمة، عاصمته بكين. وقد يذكر لك أسماء مدن أخرى مثل شنغهاي، ويضيف إليها جزيرة هونج كونج وربما جزيرة مكاو ويضيف إليهما إسمي ماوتسي تونج وشو إن لاي ونهر تسي يانغ. وقد يقول هذا المجيب بأن الإسم الصحيح لعاصمة الصين هو بيجين بدلاً من بكين. هذا هو جُلُ ما يعرف عن الصين، وهي معرفة كاريكاتورية ومتواضعة جداً لبلد عملاق يتزايد تأثيره في العالم، مقارنة مع معرفة أشمل وأعمق للولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أوروبا الغربية، التي تربطنا بها - مثلها مثل الصين - مصالح اقتصادية ضخمة.
ومؤخراً، عندما التقى وفد سعودي بمسؤولين من مجلس أرباب العمل الفرنسيين وبرئيس وكبار مسؤولي غرفة تجارة وصناعة باريس، كان أعضاء هذا الوفد يسمعون عبارة تتردد في حديث نظرائهم الفرنسيين: أنتم تبحثون في سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين فرنسا والسعودية، والجميع هنا في فرنسا مشغول بالصين، الجميع يركض نحو الصين، الشركات الكبرى والمؤسسات المتوسطة والصغيرة، الجميع اليوم مهووس بالصين. بمعنى آخر الصين أولوية لفرنسا - مثلها مثل بقية الدول الغربية، ومثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يخص هذا البلد الأخير، أي الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تنظر إلى الصين على أنها أكبر مصدر لتحطيم التوازنات في العالم وإعادة رسم خارطة القوى الإقتصادية والتجارية المؤثرة فيه. وفي العام الماضي 2004 م، سجلت الولايات المتحدة أكبر عجز في حجم المبادلات التجارية بينها وبين الصين، بلغ قدره 162 بليون دولار، وتتهم واشنطن المنافسة الصينية بأنها وراء فقد ثلاثة ملايين أمريكي لأعمالهم في مجال الصناعة في الولايات المتحدة منذ عام 2001 م. وأغرب ما في أمر العلاقات بين هاتين القوتين الكبريين هو أن الولايات المتحدة التي تسعى بكل إمكاناتها لجعل الدولار العملة التي ترتبط بها المبادلات التجارية - بما فيها البترول في العالم - تبذل قصارى جهدها لكي تفك الصين ارتباط عملتها اليوان بالدولار، حيث ترى في ربط اليوان بالدولار أكبر عقبة أمام تخفيض حجم العجز في التبادل التجاري بين البلدين.
بالنسبة لنا نحن في المملكة، الوضع مختلف، وهو لصالحنا اليوم، ولكنه غداً قد لا يكون كذلك. الوضع لصالحنا اليوم لأن الصين بلد مستهلك للبترول ويتزايد هذا الاستهلاك بوتيرة متصاعدة. في عام 2003 استهلكت الصين 7٪ من الإنتاج العالمي للنفط. أما فيما يخص الموارد الأخرى فقد بلغ استهلاكها من الفولاذ والصلب 27٪، و25٪ من الألمنيوم و30٪ من الحديد و31٪ من الفحم و40٪ من الإنتاج العالمي من الإسمنت. وهذا الاستهلاك المتزايد يدفع هذا البلد إلى اللجوء إلى الأسواق العالمية - ومن ضمنها سوقنا - لتلبية احتياجاته المتزايدة، وقد دفع ذلك أسعار بعض هذه الموارد والمنتجات الحيوية إلى الإنفجار من حيث الارتفاع، وزاد كذلك من تكاليف الشحن البحري في العالم.
وفيما يتعلق بالترول وحده، فإن الصينيين الذين ينتجون ما يقرب من 3,4 ملايين برميل يومياً اضطروا إلى استيراد 5 ملايين برميل من البترول يومياً لسد احتياجاتهم، وهذا الرقم يبلغ ما يقرب من 6٪ من الإنتاح العالمي ويمثل ربع حجم الإستهلاك الأمريكي. وقد لا يعرف البعض أن أحد أسباب التوتر في العلاقات بين الصين واليابان مؤخرا - والذي أخذ طابع تصفية خلافات متعلقة بالكرامة الوطنية تعزى إلى الانتهاكات اليابانية التي حدثت أثناء غزوها للصين في الحرب العالمية الثانية - ، قد لا يعرف البعض أن هذا الخلاف يغلف نزاعاً وتنافساً حاداً بين البلدين على منطقة تقع فيها مكامن نفطية في بحر الصين. ومثل ذلك ينجر على المساعي الأمريكية اللاهثة للسيطرة المطلقة على منابع النفط في وسط آسيا - وفي روسيا أيضاً - التي ستتزايد حاجة الصين إليها في العقود القادمة.
ومن بين الأمور اللافتة للانتباه أيضاً أن الصين تستهلك في الوقت الحاضر ضعفي استهلاك الولايات المتحدة من الصلب، ورغم أنها - أي الصين - المنتج الأول للنحاس في العالم إلا أن وتيرة استيرادها لهذه المادة تزيد كل شهر لتلبية احتياجاتها المتزايدة منه، وفي نهاية عام 2004 م زادت وارداتها من هذه المادة 48 ٪ مقارنة مع أول العام نفسه لتبلغ نحو 114000 طن. هذه أمثلة، ومثلها الكثيرة المتعلق بنقل عشرات الشركات المتعددة الجنسيات لوحدات إنتاجها من الدول الغربية والدول النامية والفقيرة إلى الصين، لأنها أرخص من ناحية كلفة الإنتاج وأجور اليد العاملة المدربة. ثلاثة مصانع من المغرب وخمسة من البرتغال وإثنان من تونس، وحتى ماليزيا تنظر بأسى إلى شركات عالمية تنقل وحدات إنتاجها إلى الشاطئ المقابل. والسبب الكلفة التنافسية في الانتاج التي تصب لصالح الصين.
ولنضف إلى ما تقدم بروز الصين في ميادين مثل ميدان تكنولوجيا المعلومات وصناعة البرمجيات، وطبقاً لما نشر في هذه الصحيفة - في 27 ربيع الأول 1426ه - بلغ حجم قطاع البرمجيات في الصين 230 مليار يوان عام 2004، بزيادة 2,8 ضعفا عما كان عليه قبل 5 سنوات، متجاوزة بذلك إنتاج الهند وكوريا الجنوبية مجتمعتين.
وقبل كل ذلك وبعده، الصين بلد حضارة عريقة يبلغ عمرها ما يزيد على عشرة آلاف عام، وهو بلد يعرف البعض منا مطبخه وسيركه فقط، ولا يعرف أن لهذا البلد تراثاً عريقاً في المعرفة والفنون وأنه بلد مستهلك للمعرفة وكثيف النشاط في مجال البحث العلمي. الجاليات الصينية في معظم دول جنوب شرقي آسيا هي المهيمنة على الإقتصاد والتجارة والصناعة، والصينيون - كما يرى كل من يحتك بهم - شعب لا يمل ولا يكل من العمل، وبوسعهم - بالفعل - أن يقولوا لشعوب العالم عما قريب: ناموا ولا تستيقظوا، فبوسعنا أن نصنع كل شيء وبكميات تلبي معظم الاحتياج العالمي من السلع والبضائع، وربما - في العقدين القادمين - كافة احتياجات العالم. وبما أنه سمح منذ عامين تقريباً لكل أسرة صينية بإنجاب طفلين بدلاً من طفل واحد، فسيبلغ سكان الصين عما قريب ثلث سكان العالم، ليبلغ مقدار القوة العاملة المنتجة في هذا البلد وحده نصف مليار عامل على الأقل.
أقول: المملكة ستنضم إلى منظمة التجارة العالمية عما قريب، وستنطبق عليها - مثلما ينطبق على بقية الدول الأعضاء في المنظمة - قوانين جديدة في المبادلات التجارية مع دول من ضمنها الصين. وفي تعاملنا مع الصين نحن غير مسلحين بالمعرفة، ولا نفقه شيئاً يذكر عن لغة وثقافة وقوانين هذا البلد. ولكي أعطي مثالاً واحداً على الأضرار التي تنتج عن مثل هذا الجهل أشير إلى ما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط مؤخرا عن خسائر مالية لتجار سعوديين يتعاملون مع السوق الصينية بسبب ثغرات في العقود وانعدام لغة التفاهم. هذا البلد يحتل المرتبة الخامسة بين أكبر عشر دول مصدرة للمملكة بقيمة إجمالية تصل إلى 6 مليارات ريال (1,6 مليار دولار)، وعدد المشاريع الصينية المستثمرة في السعودية تعتبر قليلة للغاية، فالهيئة العامة للاستثمار - طبقاً لهذه الصحيفة - أصدرت خلال الفترة الماضية تراخيص أربعة مشاريع صناعية وخدمية مشتركة بين مستثمرين سعوديين وصينيين يبلغ إجمالي تمويلها 128 مليار ريال (34,1 مليون دولار)، إضافة إلى مشروعين تعود ملكيتهما بالكامل لمستثمرين صينيين يبلغ إجمالي تمويلهما 110 ملايين ريال (29,3 مليون دولار). والصينيون دخلوا في بلادنا مجال إستكشاف والتنقيب عن البترول، وطبقأ لما ذكرته صحيفة الوطن في 6 ذي الحجة 1424 ه - فازت شركة البترول الصينية «سينوبك» بعقد الاستكشاف والتنقيب وإنتاج الغاز في المنطقة (ب) بالربع الخالي من السعودية، البالغة مساحتها حوالي 40 ألف كيلو متر مربع من بين مناطق فتحت المملكة باب المنافسة لاستغلالها.
هذا التبادل والتعاون الإقتصادي الذي ستنطبق عليه قواعد منظمة التجارة العالمية فيما بعد - ربما بعد بضعة أشهر - سيعرض عشرات الصناعات السعودية التي لا تعتمد - أو ربما حتى التي تعتمد - على البترول - للذوبان، ويتم في ظل جهل كبير من الجانب السعودي ومعرفة وثيقة من جانب الطرف الصيني. وكدليل على ذلك أذكر بأنه لا توجد لدينا مراكز أو وحدات دراسات وأبحاث عن الصين، لا إقتصادها ولا حتى لغتها ولا حضارتها. لن تجد جامعة سعودية واحدة تُعلَم فيها اللغة الصينية، ويدور في بعض الجامعات جدل عقيم عن اللغة الصينية التي يجب أن تدرَّس، هل هي لغة الصين الشمالية أم لغة المندرين أم لغة أخرى من اللغات الصينية. مجلس الغرف التجارية والغرف التجارية بعيد هو الآخر - مثل الغرف التجارية - كل البعد عن التفكير في مثل هذا الاحتياج الملح.
الصين - والهند كذلك - حسبما ذكر تقرير نشر في منتصف شهر يناير الماضي عن المجلس القومي للاستخبارات، وهو مركز أبحاث تابع للاستخبارات الأمريكية - تشهدان تقدما متسارعاً في وتيرة نموهما الاقتصادي وتقدمهما العلمي والمعرفي، وهما في طريقهما للتحول إلى قوتين عظميين في العام 2020، بل ومنافستين لكل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي واليابان. هذا ما يذكره التقرير، ولكن المفاجأة - في نظري - قد تكون أكبر، ولا أستبعد أن تزحزح الصين بقية القوى الأخرى عن الصدارة عما قريب.
٭ وصلتني - أثناء كتابة هذا المقال - دعوة من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لحضور محاضرة عن (آفاق التعاون بين الصين والعالم العربي)، يلقيها الدكتور تشو وي ليه، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي، وأحد أبرز المتخصصين في اللغة العربية، مدير معهد الدراسات الشرق أوسطية بهذه الجامعة حالياً ورئيس مركز بحوث اللغة العربية والحضارة الإسلامية بهذه الجامعة سابقاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.