إخراج اليمن من تعدّد حكومات القبائل والإصرار على ديمومة الابتعاد عن النهج الحضاري القائم ضرورة تقتضيها مصلحة اليمن نفسه، مستويات تعليمه، مستويات اقتصاده، وحدته الاجتماعية، فاعلية علاقات الحوار والعالم.. هذه ناحية تمثّل ضرورة في أن يكون للوجود اليمني أهمية نوعية مواطنة وأهمية تنوّع المنتج.. نأتي إلى ناحية أخرى ترتبط بما سبق؛ وهو أنه إذا خرج اليمن من هذا الضياع الذي هو فيه والذي يمثله التعدّد القبلي السائد الذي يرتاح قادته للانقسامات، ويجد شبابه الضياع في قدرات التأهيل.. إذا خرج اليمن من هذه القيود فإنه سوف يكون ضرورة حصوله على العضوية الخليجية بما سيملكه من تأهيل.. اليمن يزدحم بنسبة سكانية جيدة وبعض دول الخليج تحتاج إلى تعريب لغات ما هو داخل حدودها، لكن في الوقت نفسه تريد أن تطمئن إلى وجود سلامة زمالة عربية مجاورة؛ وفي الوقت نفسه وجود تأهيل مهني كفؤ يشغل ما هو موزع آسيوياً بشكل تقتضيه ضرورة تحريك مختلف وسائل العمل.. إذاً في الوقت نفسه لابد من تحريك توجّه اليمن إلى واقع اجتماعي وتعليمي واقتصادي أفضل حتى يمنحه هذا التوجه أهلية الزمالة الخليجية عبر تبادل تأهيلات قدرات يحتاجها طرف من آخر.. أمس فضّلت أن أبدأ موضوعي ببداية شعرية حرّك بها عبدالله البردوني رقاب كل المثقفين والشعراء كي ينظروا إلى اليمن الغني بقدراته، لكنه المعاق بإداراته.. عرفت البردوني قبل زمن طويل، ربما في عصر الرئاسة الثانية أو الثالثة، والفضل في ذلك يعود إلى الأستاذ فاروق طرابزوني الذي كان وقتها ممثلاً للخطوط السعودية هناك، والواقع في علاقاته وممارسته أنه كان بصفة سفير أو مندوب ثقافي، إضافة إلى مسؤولية الطيران، فقد كان صالون منزله يمتلئ بمتعدّدي الثقافات وبحوارات أوضاع العصر آنذاك، ويحتفي بكل ذلك كرم ضيافة مشهود.. هنا عرفت البردوني.. عندما تراه لا تتصوّر أنه في مكانة الشاعر الأول، وأنه رغم كثير من مواقع الشغب التي دخلها عاش نزيهاً، حتى قيل إنه رفض هدية سكن قُدّمت إليه.. كان البردوني رجلاً بسيطاً للغاية في مظهره لكنه عميق الخصومة مع كل أخطاء تمت في بلده..