الشعور بالوحدة هاجس يعيش مع الإنسان بنسب متفاوته يزداد تأثيره في مرحله ويخف في اخرى وقد يعيش الإنسان غريباً وهو بين أهله ، وربما يتلاشي هذا الشعور وهو بعيداً عنهم في ضوء القياس الذي يحدده حجم المنسوب من الألفة والمشاركة الوجدانية أو بالأحرى تحقيق الحد المقبول من هذا المنسوب الخلاق حينما يفيض بصدق العلاقة التفاعلية بين البشر في تجسيد بارع فريد للعوامل المشتركة من ود ورحمة وعطف وحنان وما إلى ذلك من مشاعر انسانية لاتلبث أن تتدفق لتسوق المآثر الخيرة وتصب في نهر عذب اسمه سمو العلاقة حينما يعانق جمال الروح الجانب المضيء في النفس المطمئنة ويفًعل هذه الطاقة الفريدة التي تضخ المزيد والمزيد دون كلل أو ملل بالرغم من سطوة الجانب السيئ في النفس واستغلال تناقض المشاعر اللحظي في الاستحواذ على هذه الطاقة ، ويتفاوت مستوى الشعور بالوحدة وفقاً للبيئة والظروف المهيئة لتنامي هذا الشعور او تضاؤله ! طبقاً للعوامل التي تفرض هذه النسبة أو تلك، لاسيما من خلال المؤثرات المتنوعة التي تستطيع التوغل ومحاكاة الإحساس ولكنها تعجز عن استمالة الجانب الروحي بمعنى انه بالرغم من تقلص حيز الشعور بالوحدة شكلاً وخضوعه للارتجال في تطويع مخرجات التقنية واستثمار الطفرة في وسائل الاتصال بمعزل عن تفعيل مستوى التوازن فإن الشعور بالوحدة سيظل مهيمنا ، وحينما يتأمل الإنسان قدرة المولى عز وجل في تسيير هذا الكون يدرك أهمية التوازن سواء في الفلك والأجرام السماوية والعلوم الطبيعية الأخرى والدقة المتناهية بهذا الصدد، أو من خلال أدق التفاصيل المرتبطة بالحياة فيولد الصغير خائفاً مكسواً بهذا الشعور يبكي ولايسكت إلا حينما تحمله بين ذراعيك، هنا يشعر بالمشاركة الوجدانية وفق مؤشر الحس فلو أحضرت له على سبيل المثال آلة تحمله أو تهزه فإنه لن يسكت، وهذا دليل للاستشعار والقدرة على التمييز، في حين ان الإدراك المتزن في اطار المنطلقات التي تحدد تحد من جنوح التفكير وما يخلفه من إرهاق ذهني سينسحب على الحالة المعنوية فبات التكيف مع هذا الإطار بمستوى كبير من الثقة والحكمة من الأهمية بمكان لأن القفز على الإدراك نتيجته حتمية ألا وهو السقوط . هذا القياس المعنوي للشعور بالوحدة يستطيع الانسان ان يرفع المؤشر بقيم يحظى بتمثيلها كالثقة وقوة الارادة والثقة بالمولى قبل كل شيء، ويعد من اكثر مناصري هذا الشعور المزعج لغة المصالح حينما تفرض أساليبها المختلفة والمختلة في حين أن آثرها لايقف عند مستوى الاحساس بالأمن الفكري والنفسي بقدر مايتجاوز هذا الشعور الجميل، لينعكس تلقائياً على المستوى الاقتصادي فالحدة تولد المقاطعة، والجفاء يولد الصراعات النفسية المتشابكة لتلقي بظلالها الكئيبة على سماحة النفس ناهيك عن سطوة الحديد بتقنياته المختلفة على النمط السلوكي، فطغى التصنع على التلقائية، نتيجة لغياب الصدق في العلاقة وغياب الاحتكاك المباشر الذي ربما يعزز من تواجد اللامبالات وهنا تفرض الوحدة حضورها بالرغم من توافر الوسائط المختلفة من قنوات الاتصال ، فالعالم يتقارب من الخارج ويتباعد من الداخل، فبدلاً من تسخير سهولة الاتصال وتطويع المنفعة للتقارب، تصبح في كثير من الأحيان وبكل أسف معول هدم يسهم في ردم المساحات الطيبة الجميلة ، هذا الخلل في التوازن الكيميائي المضطرب والمربك منشأه ولاريب الفراغ العاطفي وعدم تناغم الاحاسيس الذي لم تعد التقنية قادرة على احتوائها بقدر مايكون للعطاء المعنوي دور رئيس في سياق تحقيق التناغم والانسجام بين ماتضخه الطاقة الايجابية الكامنة في النفس وتحويل اثرها في التعبير او بمعنى اصح ترجمتها في حروف تضيء القلوب وتجلب الإطمئنان للمرسل والمتلقي على حد سواء ، في حين ان الخروج من الوحدة، وكسر العزلة يتم بصفاء الفكر والنية السليمة وشموخ الأخلاق عندما يمثل صدق الإحساس شاهد اثبات بأن القلب الطيب يحاط بمحبة الكل ذلك انه يزرع البسمة في كل وقت وعبر أية وسيلة.