شكلت الأعمال الإدارية ما نسبته 60% من الأعمال المنوطة بالقاضي داخل المكاتب القضائية، والتي ليست من صميم عمله، وأثّرت تأثيراً بالغاً على سير الحركة القضائية، خاصة على مواعيد الجلسات التي جاء الأصل فيها مابين ثلاثة أسابيع إلى شهر كحد أعلى في كافة القضايا، سواء كانت جنائية أو أسرية أو مالية وغيرها، لكن الواقع أخذت بعض القضايا تسعة إلى عشرة أعوام، ووصل تأثير تلك الأعمال الإدارية إلى ما نسبته 55% على سير القضاء وهذه النسبة مرتفعة، حيث إنها من أكبر العوائق التي تعيق القضاء. آثار ذهنية 60 % من مهام القاضي إدارية وليست من صميم عمله وينظر في ثماني قضايا يومياً وأوضح الخبير القضائي والقاضي السابق "د.فيصل العشيوان" أنّ الأعمال المسندة للقاضي عليه أن يتولها موظفون إداريون معنيون بإنجاز كافة الخطابات والتبليغات والتوقيعات، وبالاستناد إلى المكاتب القضائية في دول الخليج، وليس على مستوى العالم تكون القضية مدروسة ومسموع منها المدعي والمدعى عليه، فيما تكمن مهمة القاضي في رفع القضية للدراسة والتأمل والنطق بالحكم، لافتاً إلى أنّ تراكم الأعمال على القضاة لها آثار ذهنية، إلى جانب الضغوط النفسية. وأوضح أنّ للجميع أن يتصور بأن يكون القاضي يريد أن ينطق بالحكم في قضية أمامه، ثم تأتيه أوراق للتوقيع عليها من الموظفين؛ فالذهنية لديه ستكون مشتة في الغالب، وقد يكون أخطأ دون قصد في تصور الحكم أو إصداره، مشدداً على أن القضاه لابد أن يفرغوا لدراسة القضايا والأحكام، في حين يقرؤون القضايا داخل مكاتبهم القضائية ولا يخصص لهم أوقات لدراسة قضاياهم، بينما المعمول به دولياً والذي من المفترض أن يكون تخصيص يوم في الأسبوع لكل قاضي لقراءة القضايا التي اكتملت إجراءاتها من جهة المدعي والمدعى عليه والبيانات حتى ينطق بالحكم. د.عمر الخولي القضايا الأسرية وأشار "د.العشيوان" إلى أنه سبق وأن تقدم بمبادرة ضمن مجموعة من المقترحات لوزارة العدل؛ جاء فيها كما يختار قاضي من كلية الشريعة يختار أيضاً معاون قاضي على وظيفة باحث أو مستشار يكون على كادر وزارة الخدمة المدنية، لكنه يتلقى دورات كما يتلقاها القاضي، بحيث يكون لديه تصور ويقوم بمهمة قراءة ملفات القضية والسماع للمدعي والمدعى عليه، ويعرض ذلك على القاضي القاضي الذي يقرأ القضية، ويضع التصور النهائي، وينطق بالحكم. وأضاف أن القضايا الأسرية من أكثر القضايا المتراكمة عند القضاة -والسبب خارج عن إرادتهم ومرتبط بأطراف أخرى في القضية-؛ في حين عايش قضايا أسريه امتدت إلى تسع سنوات والزوجة معلقة، علماً بأنّ القضايا الأسرية تحل وتنهى إجراءاتها في غضون جلستين إلى ثلاثة كحد أعلى لكونها قضية مصيرية يدخل في أطرافها أطفال ونفقة وأضرار تلحق بالزوج أو الزوجة، مشيراً إلى أنّ وزارة العدل بدأت بالشروع في خطط وصفها بالواعدة بعد أن استكملت منظومة الإصلاح الأخيرة، ومن أبرزها استحداث لجان الإصلاح في المحاكم والتي ستخفف كثيرا من تلك الأعباء على القاضي شرط أن تفعل التفعيل الإجرائي الصحيح. تسجيل الجلسات واتفق "راشد القعود" -القاضي السابق بديوان المظالم والمحامي حالياً- مع "العشيوان" في إيجاد متخصصين لتحضيرات الجلسات للقضاة تحت مسمى باحث قضائي يحمل أحد التخصصات التالية: إما شريعة إسلامية أو قانون حتى يكون ملم بجميع الأحكام والقوانين، مشترطاً أن يعمل الباحث في بداياته ملازم قاضي لفترة تزيد على الأربع سنوات كحد أدنى، ثم يرشح بعدها للعمل معاون للقاضي، وبالتالي يعزز قضاة المستقبل بهذا الباحث، مؤكداً على أهمية التسجيل الصوتي والمرئي للجلسات القضائية، وهو ما أصطلح على تسميته في الشريعة الإسلامية ب"شفافية" الجلسة وعلانيتها، بحيث تسجل الجلسة عبر تقنية التسجيل المرئي، معزياً ذلك لكون هناك كلام لا يضبط في الجلسات في وقت تأخذ بعض من القضايا العامين، وأكثر مما يتسبب في عدم ضبط بعض الوثائق من الأقوال المهمة في سير القضية ومع النظام الراهن لا يستطيع موظف الضبط تدوين كل ما جرى فيها. تدوين الأحداث وأشار "القعود" إلى أنّ المكاتب القضائية تفتقد لناسخ للجلسة، بحيث تدون جميع ما حدث فيها، وضبط كل الأقوال والأفعال التي تصدر في الجلسة، وتدوين تلك الأحداث عبر موظف مستقل يختلف كلياً عن الذي يأمره القضاة بالضبط. وقال إن المكاتب القضائية حالياً تفتقد لموظفين متخصصين أيضاً في الإدارة؛ لحفظ الملفات والأوراق الثبوتية، مشيراً إلى أنّ دراسة أجريت في محكمة جدة أكدت على أن ما نسبته 30% من عمل القضاة يذهب في الجهد الإداري كأقل نسبة، مؤكداً على أنّ ما تقوم به الوزارة من تطوير ما هي إلاّ معالجة سلبيات، ولن يتطور القضاء إلاّ بوضع رؤية جديدة وخطط تلغي النظام القديم الذي مر عليه نحو سبعين عاماً، مشيراً إلى أن بعض موظفي المكاتب القضائية غير مؤهلين، كما أن بعض السلبيات المطروحة داخل مكاتب القضاء انعكست سلباً على جودة الأداء وسرعة الإنجاز. إبراهيم زمزمي إجراءات شكلية وفرق "د.إبراهيم زمزمي" -المحامي والمستشار القانوني- بين شقين مهمين في المكاتب القضائية، هما: (شق الإجراءات الشكلية) وتندرج تحتها ما يخص المواعيد والمخاطبات وتحديد مواعيد الجلسات، والتي ساهمت في تأخير سير القضايا باعتبار الشكلية والإجرائية لها ارتباط وثيق بالشق التالي وهي (الموضوعية) وتتأثر بها، معتبراً ذلك من أبرز المهام التي ترهق القضاة بحكم أنهم بشر، وبالتالي قد تنعكس سلباً على تفاوت المسافات بين جلسات القضية الواحدة؛ مما يجعلها تأخذ وقتاً طويلاً، كما حمّل الشؤون الإدارية بالمحاكم مسؤولية توزيع القضايا على القضاة دون أن يكون هناك متابعة على كمية القضايا التي أنجزها القاضي وانتهى من النطق بالحكم فيها حتى يعطى قضايا أخرى جديدة. الجدول الزمني وأكد "الزمزمي" على أنّ عدد القضايا التي ينظرها القاضي في الوقت الراهن بشكل يومي لا تقل عن ثمانية قضايا والحد الأعلى لكل قاضي أن ينظر أربعة قضايا يومياً، مستعرضاً الجدول الزمني اليومي المفترض لكل قاضي بقوله: "يبدأ القضاة عملهم الساعة الثامنة، ويأخذ الساعة الأولى منها فيما يطلق عليه الانهاءات، وتتضمن الإجراءات الشكلية وتبدأ الجلسات من الساعة 9.30 بحسب العرف الجاري وليس النظام تأخذ الجلسة الواحدة نصف ساعة، ومن وجهة نظري المتوسط 45 دقيقة وتذهب منها عشر دقائق في التحضير للجلسة ومن الساعة التاسعة الى صلاة الظهر ثلاث قضايا وبعد الظهر قضية واحدة، لكن الوقت الحالي ينظر القاضي ثماني قضايا وإن كان صاحب حظ أوفر تكون ست قضايا!. الأوراق الثبوتية وأضاف "الزمزمي" أن هناك حزمة من الحلول التي من شأنها مساعدة المكاتب القضائية في التغلب على ما يعتريها من بعض الثغرات، ولعل الالتزام التام بموعد الجلسات في وقتها من أبرزها، وإن تأخرت قضية يتم تأجيلها لأسبوع عوضاً عن النظر فيها في موعد الجلسة التي تليها، إلى جانب التواصل مع المحامين عبر الاتصال السريع، من خلال مدير مكتب القاضي فيما يخص تحديد الجلسات. د.فيصل العشيوان أبرز الحلول وأوضح "د.الزمزمي" أنّ تمكين المحامي من الإطلاع على ملف القضية بما فيها القضايا الجنائية من أبرز الحلول التي ستخفف من أعباء المكاتب القضائية، إلى جانب عقد دورات تدريبية لكتّابها وموظفيها من أهم الأساسيات الإجرائية الشكلية المطلوبة للتعامل مع المحامين والجمهور، مؤكداً على أنّ قلة ثقافة بعض موظفي مكتب القاضي بالثقافة القانونية زادت الأمر تعقيداً؛ فيما يخص مسألة الإطلاع على ملف القضية، وما يجري الآن هو رفع خطاب إلى رئيس المحكمة ويتم على إثره تحويله إلى القاضي، وبعد مضي يومين يطلع عليه ويصدر توجيهاته، بينما لو كان لدى الموظف ثقافة وملم بجميع مواد نظام المحاماة والمرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية لما احتجنا لهذه الطريقة الطويلة للإطلاع على ملف قضية وتدوين ما يحتاج المحامي دون تصويره بحسب المادة 19 من نظام المحاماة. مهام إدارية وفي المقابل أوضح "م.ماجد العدواني" -مدير عام تقنية المعلومات بوزارة العدل- أنّ ما يحدث من خطوات من شأنها تقليل المهام الإدارية التي يقوم بها القاضي، وذلك من خلال عدة طرق من أهمها تنفيذ مشروع نمذجت جميع المخاطبات ومن ثم تحويلها إلى نماذج الكترونية؛ مما يوفر على القاضي الكثير من الجهد، إلى جانب ربط أربعين محكمة من المحاكم الكبرى بنظام المحاكم الالكتروني والذي يتيح للقاضي ضبط الجلسة الكترونياً، كذلك توفير منصات قضائية الكترونية تتيح لأطراف القضية الإطلاع على ضبط الجلسة مدعومة بخدمة الانترنت، والتي من الممكن الإفادة منها لرؤية مواقع الخلاف، من خلال صور الأقمار الصناعية عبر برنامج قوقل ايرث Google Earth. وقال إن الخدمات اللاحقة تأتي تباعاً، ومنها ربط المكاتب القضائية مع جهات أخرى على رأسها هيئة التحقيق والادعاء العام و السجون حتى تبلغ إدارة السجن بموعد الجلسة للسجين في ذات اليوم الكترونياً؛ دون الحاجة إلى الطريقة القديمة من إرسال خطابات إلى جانب توفير المراجع القانونية موضحاً بأنها بصدد التجربة. وقائع القضية وأضاف "العدواني" أن وزارة العدل لديها مشكلة بأن القضاة بحاجة إلى من يعد لهم وقائع القضية وأسبابها فيما هم مشغولون بعدد ضخم من القضايا، وبحاجة إلى مساعدين، بحيث يكمن دور القاضي بقراءة القضية وإصدر الحكم ومن ذلك المنطلق تبلورت فكرة داخل الوزارة تتلخص في تفعيل دور الباحث القضائي، وفي شأن تسجيل الجلسات مرئياً تساءل "العدواني" عن القيمة المضافة له في حالة أن جميع ما يضبط يوقع عليه كافة إطراف القضية، ولكنه لفت إلى أن وزارته لا مانع لديها من تطبيق ذلك النظام ولكنها تخطو خطوات مدروسة في هذا الجانب. هندسة إجراءات وكشف "م.العدواني" أنّ وزارة العدل حريصة كل الحرص على اختصار الإجراءات، وعليه فقد انتهت فعلياً من تنفيذ مشروع إعادة هندسة إجراءات كتابات العدل الأولى وكتابة العدل الثانية، وتم تحويلها إلى إجراءات الكترونية وتطبيقها في كتابة العدل الأولى بجنوب الرياض، وبعد أن أثبتت هذه الاجراءات نجاحها سيتم تطبيقها في باقي كتابات العدل الأخرى تدريجياً، كما تسعى الى تطبيق تنفيذ الإجراءات الالكترونية لكتابة العدل الثانية بشكل مبدئي في كتابة العدل الثانية بشرق الرياض، وعند إثبات نجاحها سيتم تعميم هذه الخدمة في جميع كتابات العدل الثانية.