ما زال السعوديون يواصلون غيابهم عن سوق الخضار والفاكهة في جدة رغم قرار توطين الوظائف والاستثمار ومنع العمالة المقيمة من البيع فيه منذ عدة سنوات، مكتفين بحضور شرفي في الدلالة على المنتجات المحلية وسط سيطرة تامة للوافدين الذين ينعمون بكعكة تجارة الخضار والفواكه، وسط تعاملات بملايين الريالات وحركة بيع نشطة. وتستقبل حلقة جدة منتجات المناطق المحيطة بها ليتم تسويقها على المستهلكين الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين نسمة، ورغم حجم الأعمال الكبيرة والفرص التي يخلقها السوق بمختلف نشاطاته إلا أن السعودي لا يشاهد إلا في النادر وسط غابة من العمالة الوافدة التي أحكمت قبضتها على السوق في مدخلاته ومخرجاته. من بين 2000 تاجر وبائع وعامل في السوق، نجد سعوديين يعدون على الأصابع في فترة التحريج، حيث يعملون دلالين ومحرجين. هذا الرقم يكشف حجم الخلل الذي يعيشه السوق وسيطرة الوافدين. شباب يبحثون عن قوت يومهم سويلم العديني، شاب لا يتجاوز عمره العشرين، يقف أمام بسطته المستأجرة التي يبيع فيها الخضار في ساعات عمل تصل إلى 12 ساعة متصلة ويجاهد لاستقطاب الزبائن لتوفير قيمة إيجار البسطة وتوفير دخل يسد الرمق، نقل عتبه الكبير على المواطنين الذين يتحاشون البسطات التي يقف عليها سعوديون، في حين يجاهد كل من عبدالرحمن وعبيدالله الرشيدى اللذان يعملان بالأجر اليومي لاستقطاب الزبائن والظفر بغلة ترضي أصحاب البسطات ليتحصلوا على يوميتهم التي تتراوح بين 100 و120 ريالاً مقابل 12 ساعة عمل. يقول عبدالرحمن: لن استمر في الحلقة متى ما وجدت فرصة أفضل بسبب قلة المردود وساعات العمل الطويلة وعدم منحي إجازة وانصراف السعوديين عنهم للأجنبي. الشباب: نعمل 12 ساعة يومياً وننتظر الفرصة لترك النشاط خسائر وخروج ولا يرى البائع خليفة الجهني بارقة أمل في نجاح السعودة نتيجة غياب المعالجة الجادة من الجهات المعنية بها، مستعرضا تجربة زاخرة بالمواقف والتحولات طيلة فترة عمله في الحلقة التي استمرت 14 عاما، مؤكداً عدم تخلفه في أي يوم عن السوق. ويعيد الجهني سبب فشل السعودة لظروف العمل في هذا النشاط التي تتطلب سمات معينة لا تتوفر في شباب اليوم الذين يبحثون عن الدوام المريح والإجازات الاسبوعية والعمل تحت المكيفات وهذه في نظره لا وجود لها في سوق الخضار. عبدالرحمن وعبيدالله الرشيدي ويشير الجهني الى تجربته التي تحولت إلى معاناة وخسائر نتيجة سيطرة الوافدين على السوق، حيث يقول: قمت بتقبيل بسطة من أحد المواطنين بمبلغ 50 ألف ريال بايجار سنوي يبلغ 16 الف ريال وحاولت المستحيل للنجاح، لكن حصيلة البيع لم تكن تفي بالإيجار واستمرت خسائري طيلة عام بسبب اتفاق العمالة في السوق على تجاوز السعوديين في البيع والشراء والتعامل مع بعضهم مما اضطرني لتقبيلها والعودة للتحريج، إضافة إلى عزوف السعوديين الذين يرتادون الحلقة واتجاههم للأجنبي رغبة في الحصول على سعر أفضل بحجة التحرج من مكاسرة السعودي، مشيرا الى تحقيقه مكاسب بنحو 100 الف ريال خلال عام في بداية تطبيق قرار سعودة السوق. محرج: تكتلات العمالة أخرجتني من البيع والشراء وأعادتني للتحريج ويقترح الجهني سعودة مندوبي مشتروات المراكز التجارية والفنادق والمطاعم التي تسحب بكميات كبيرة من السوق لكسر احتكار الأجانب نظراً لتواطؤ المندوبين مع بني جلدتهم. وناشد لجنة السعودة بمنع غير السعوديين من البيع داخل الحلقة وسحب البسطات من السعوديين الذين لا يعملون بأنفسهم فيها أو تشغيل السعوديين فيها. كارثة السعودة ويطالب المستثمر سعد الحارثي الذي يدير العديد من المزارع في محافظة الطائف بمراعاة وضع السوق الذي لا يتحمل قرارات غير مدروسة قد تتسبب في خسائر كبيرة مستشهداً بقرار السعودة الذي تسبب في خسائر كبيرة للمزارعين وتلف منتجاتهم لانهم لم يجدوا من يشتريها مما اضطرهم لترك الزراعة. وقال: بعض الشباب الذين يأتون للعمل في الحلقة لا يتحملون طبيعة العمل وسبق أن خسروا الكثير من الأموال نتيجة استهتار بعض الشباب الذين يتم تمويلهم بالمنتجات والتسديد بعد البيع إلا أنهم بعد فترة يهربون دون تسديد المستحقات التي عليهم. ويقترح دراسة ظروف السوق بعمق والتدرج في السعودة حرصاً على مصالح الجميع. غياب تام للسعودة أزمة التكدس شيخ طائفة الدلالين عصمت أبو زنادة أكد صعوبة المطالبة بسعودة سوق الخضار في ظل تجاهل الأسواق المحيطة التي يسيطر عليها الأجانب الذين اشتهروا بالتكتلات والسيطرة على نشاطات معينة. ورفض ابو زنادة تحميل جهة معينة مسئولية غياب السعوديين، موضحاً أن هناك مستثمرا يدير 88 بسطة حيث قام بتأجيرها على سعوديين، ومنهم من أجرها بالباطن والبعض الآخر أحضر عمالة على كفالته للعمل فيها. ويرى شيخ الدلالين أن لجنة تنظيم السعودة لا يمكن أن تقوم بكافة الأدوار في معزل عن باقي الأسواق الأخرى، مبيناً قيامهم بعقد الكثير من الاجتماعات مع عدة جهات منذ ما يقارب الخمس سنوات إلا أن الوضع لم يتغير، مشيرا الى تكدس الخضار والفواكه في السوق نتيجة فرض السعودة دون وجود السعوديين الجادين في العمل. وتوقع أبو زنادة أن يتغير الوضع مع برامج وزارة العمل خاصة نطاقات، متفقا مع مطالبات الدلالين السعوديين بسعودة مندوبي مشتروات مراكز التسويق والفنادق والمطاعم إضافة إلى إجبار مستأجري البسطات بتشغيلها من قبلهم أو تشغيل سعوديين للحد من تواجد الأجانب. وأشار شيخ الدلالين إلى سعودة قطاعه بالكامل مؤكداً تواجد مئة دلال سعودي يملكون رخصة مزاولة المهنة ويمارسون نشاطهم بصفة يومية. ويبقى الأمل قائماً في دراسة متعمقة لظروف السوق والاستماع إلى من يعمل في هذا النشاط وتطبيق سعودة مندوبي المشتروات في الجهات ذات العلاقة ومنع غير السعوديين من البيع في الحلقة وتحديد ساعات العمل لخلق فرص عمل تستقطب أعدادا كبيرة في سوق معدلات نموه مرتفعة ومداخيله هائلة. العمالة تسيطر على البسطات في الحلقة خليفة الجهني سعد الحارثي