لولا الجولات التي يقوم بها اعضاء لائحة الرئيس الشهيد رفيق الحريري مجتمعين ومنفردين ، لما شعر المرء بوجود جو انتخابي في العاصمة اللبنانية عشية اجراء الجولة الاولى من الانتخابات غدا الاحد . والامر ليس مفاجئا بعدما فاز نصف اللائحة التي يبلغ عدد اعضائها 19 مرشحا بالتزكية ولم يبق سوى عشرة مرشحين فوزهم مؤكد نظرا الى عدم وجود اي منافس جدي في مواجهتهم باعتبار ان المرشحين المستقلين والذين لم يسحبوا ترشيحهم بعد بالكاد يحصلون على كمية ضئيلة من الاصوات . فيما يتوقع ان تحقق لائحة الحريري في دوائر بيروت الثلاث فوزا كاسحا ايا تكن نسبة الناخبين الذين سيشاركون في عمليات الاقتراع . تبعا لذلك فان معركة يوم الاحد ، اذا صح وجود معركة ، هي في تحفيز الناخبين على الاقتراع بكثافة لا اكثر ولا اقل باعتبار ان هناك فتورا مخيفا في كل الدوائر لكن خصوصا في المناطق المسيحية في العاصمة والذي سيشكل ربما ملامح مقاطعة في بعض جوانبه يتعين على المناطق الاسلامية ان تعوضه بدورها . والفتور في الشارع المسيحي يعود الى عاملين : الاول معرفة الناس المسبقة بأن اللوائح فائزة سواء بالتزكية او بعدم وجود منافس لها . والعامل الثاني هو انعكاس الاحتدام السياسي والانتخابي بين عون وتحالف لائحة الحريري ووليد جنبلاط ولقاء «قرنة شهوان» في مناطق اخرى على هذا الجو بحيث يخشى من وجود حالة مقاطعة ضمنية ولو لم يدع اليها احد علنا . لكنها متأثرة بمواقف عون والاعراض عن المشاركة في انتخابات يدرك الناخب المسيحي سلفا انه لا يلعب دورا فيها لان الغالبية الساحقة في دائرته تبعا لقانون العام 2000 هي للناخب السني . اما في المناطق الاسلامية والسنية تحديدا ، فالامر يكتسب طابعا اخر هو طابع التعبير عن الوفاء لاسم اللوائح التي ترفع في الانتخابات اي الرئيس الحريري بحيث ينتظر ان تشكل هذه الانتخابات من حيث الاصوات التي ستصب في مصلحتها استفتاء لخطه ووفاء له ، وهو ما تسعى ماكينة اللوائح الثلاث الي يترأسها نجله سعد الحريري الى جعل الاقتراع بكثافة يحمل هذا المعنى السياسي . كما ان سعد الحريري يرفع العناوين السياسية والاقتصادية التي رفعها والده تأكيدا على استمرارية نهج قال في مهرجان انتخابي مساء الخميس المنصرم انه سيترجمه في حزب سياسي يؤسسه بعد انتهاء الانتخابات . اما نتائج الانتخابات فمعروفة سلفا من حيث المبدأ باسماء نوابها ال19 ولن يكون هناك مجال لتوقع اي مفاجأة . الا ان بعض العاملين في ماكينات بعض المرشحين لا يقللون من اهمية الاصوات السنية من العائلات التي ابعدت عن لوائح الحريري بحيث تسري مخاوف بين هؤلاء من ان تصب الاصوات الداعمة لتمام سلام مثلا او الرئيس سليم الحص وسواهما في خانة بعض المرشحين حتى من غير السنة فيخرق النائب السابق نجاح واكيم مثلا لوائح الحريري مكان النائب عاطف مجدلاني الذي ينافسه واكيم في الدائرة الانتخابية نفسها . وثمة خطر مماثل على مرشح طائفة السريان الارثوذكس التي يمثلها في لائحة الحريري النائب الحالي نبيل دوفريج . لكن الانطباع الراجح وفق استطلاعات للرأي تقوم بها مؤسسات متخصصة لحساب عائلة الحريري يفيد بعد حصول اي مفاجأة على الاطلاق . وهو الامر الذي ينتظر ان ينسحب على دوائر اخرى منها الجنوب الذي اضحى ستة من اعضاء لوائحه فائزين بالتزكية فيما البقية الباقية معقودة اللواء لتحالف حركة «امل - حزب الله» . كذلك الامر بالنسبة الى البقاع الشمالي اي بعلبك الهرمل فيما تبقى دائرتان في البقاع عرضة لتغييرات محتملة او ربما لمعارك صغيرة على مقاعد معينة اذا قرر العماد عون خوض غمارها هناك . ولعل دوائر جبل لبنان وحدها ستكون المسرح الاشرس للمعارك المرتقبة بين عون وسائر الاطراف السياسية المعروفة فيها من وليد جنبلاط الى تيار المستقبل الى اعضاء لقاء قرنة شهوان من دون استثناء . ولهذا كله مفاعيله . اذ رغم الترحيب بالطابع الوفاقي الذي وفر على البلاد معارك انتخابية سياسية قد تكتسب طابعا طائفيا حادا بعد خروج القوات السورية من لبنان ، فقد كان ثمة تشجيع غير مباشر على عدم الاتفاق مع عون اذ ان المعركة التي ستحصل بين التيار العوني من جهة وكل الافرقاء الاخرين من جهة اخرى ستعطي شرعية لانتخابات لم تكن لتحصل او لتتخذ طابع الانتخابات دون هذه المعارك الجزئية . وهذا الامر لم يلق انزعاجا لدى ممثلي الدول المؤثرة المعتمدة في لبنان بل على العكس سيما ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي دفعت ادارتها الى اجراء الانتخابات النيابية في موعدها بأي ثمن وبأكبر قدر من الوفاق بين كل الافرقاء السياسيين تراجعت عن اعتبار هذه الانتخابات نموذجا ديموقراطيا لمصلحة اعتبارها خطوة ايجابية اولى تناسب المرحلة الانتقالية التي يمر فيها لبنان في الظروف الراهنة . وهو ما يعني ان الضغوط الدولية الكبيرة لاجراء انتخابات ديموقراطية بالحد الادنى من المخاطر والحماية المتعاظمة من التدخل السوري فيها على ما كان يجري عادة افقد الانتخابات طابعها وجعلها اشبه بالتعيينات التي لمست رايس نتائجها قبل يومين على بدء الجولة الاولى من هذه الانتخابات . هذه الاجواء طرحت تساؤلات كبيرة عن مغزى ارسال المزيد من المراقبين الدوليين الذين قارب عددهم المئتين والذين ستقتصر مهمتهم على ما يبدو في ضوء كل ذلك على اسباغ طابع الشرعية المدعومة دوليا على هذه الانتخابات اكثر مما ستتركز مهماتهم على مراقبة اي عملية تزوير او ما شابه .