كيف نجح دونالد رامسفيلد في البقاء في منصبه كوزير للدفاع؟؟ فترة قيادته، مر الجيش الأمريكي بمواقف مروّعة . في العراق مثلاً، خسرت أمريكا أكثر من 1,600 جندي واصبح الآلاف منهم معاقون بسبب تلك الحرب التي خطط لها رامسفيلد منذ البداية ويبدو أنه مازال يبحث عن طريقة للفوز. وأوضح عدد من المحللين أن أمريكا قد تتورط في العراق لسنوات قادمة، وهناك من يهمس أن الجيش الأمريكي لن يخرج منتصراً من العراق. كثير من المجندين يحاولون البقاء بعيداً عن القوات المسلحة، فأكثرهم يتحاشون التورط في إحدى مغامرات رامسفيلد العسكرية.. خاصة في العراق. وكنت قد تحدثت مع سيدة من ولاية كونيكتيكت لها ولدان شابان يدرسان في الكلية وقالت لي «هل من الضروري أن أفقد اولادي في بغداد؟؟ ولأي غرض؟؟». ولهذا السبب بالذات بات الآباء يحرصون على إبعاد أبنائهم عن كافة قطاعات القوات المسلحة وينصحونهم بعدم الانضمام للجيش. وهذا الموقف الشعبي جعل قادة الجيش في موقف صعب فالقوات المسلحة تحتاج للمزيد من الرجال، وهو ما دفعهم لقبول أي شخص يتقدم دون أدنى اعتبار للمعايير الجسدية والعقلية والأدبية .. المهم أن يكون قادراً على حمل السلاح وتنفيذ الأوامر. وعلق الجيش الأمريكي التجنيد يوم الجمعة الماضي بعد أن أصبحت الانتهاكات منتشرة بشكل محرج. وبات على المدربين أن يراجعوا أوراقهم من جديد لتحديد الشروط والمعايير القانونية والأخلاقية للمجندين مستقبلاً. الجيش الأمريكي يمر بأسوأ سنواته فيما يتعلق بإقبال الشبان على الجيش والتطوع للانخراط في صفوفه منذ 1973م. ودأب الجيش الأمريكي وعلى مدى عقود على تحسين صورته وإعادة هيبته أمام الشعب الأمريكي بعد السقطة الكبيرة في فيتنام. وبوجود رامسفيلد فإن هذا العمل الشاق الذي صنع صورة جديدة للجيش الأمريكي بات في طريقه للسقوط في الهاوية مجدداً. فقد وافق رامسفيلد على غزو العراق مستعيناً بعدد قليل من الجنود، الكثير منهم لم يكمل تدريباته العسكرية وتنقصه الخبرة الميدانية. والتجهيزات الناقصة أدت إلى مقتل عدد كبير من الجنود في ساحات المعارك فأغلبهم لم يكن يرتدي دروعاً واقيه. كما أن الخطط الأمريكية التي مهدت لغزو العراق لم تضع في حساباتها عناصر المقاومة اعتقاداً بأن هذه المجموعات سيسهل السيطرة عليها خلال أيام.. اعتقد الأمريكيون أنهم سيربحون الحرب على العراق حتى ولو دخلوها سيراً على الأقدام. واليوم يعيشون أسوأ كوابيسهم منذ فيتنام. وكل من يشاهد الجيش الأمريكي في العراق اليوم يدرك تماماً أن قادة هذا الجيش في مأزق كبير. فالعديد من الرجال خدموا في أماكن متعددة من العراق وتنقلوا من هنا إلى هناك على مدى أشهر طويلة وباتوا منهكين للغاية. المقاومة التي وعد رامسفيلد بإنهائها خلال أيام تنمو يوماً بعد يوم وتزداد قوة، والجيش العراقي أثبت أنه حليف مخيب للآمال.وقال ضابط أمريكي كبير في لقاء مع صحيفة نيو يورك تايمز» مازلت واثقاً من أننا سننجح في العراق.. ولكن هذا الأمر يتطلب سنوات عديدة». وإضافة لكل المشاكل التي يواجهها الأمريكيون في العراق فإنه يبقى على قادة الجيش الأمريكي تفسير موقفهم تجاه القضايا المخزية التي خرجت للعالم وأظهرت الطريقة التي يتعامل بها الجنود الأمريكيون مع سجنائهم في العراق وأفغانستان وغوانتانامو. ولا يوجد أي شك من أن عدداً من الجنود الذين نالوا ثقة قادتهم وأصبحوا المسؤولين عن استجواب المعتقلين قد تجردوا من إنسانيتهم بطريقة ما وأطلقوا العنان لسفنهم نحو شواطئ السادية والانحراف والشذوذ. و أصبحت وسائل الإعلام تتناقل قصص الانتهاكات المؤكدة يوماً بعد يوم. ربما آخر تلك القصص ما نشرته نيويورك تايمز قبل أسبوع حول قضايا التعذيب والقتل الوحشي الذي راح ضحيته شابان في قاعدة باغرام الأفغانية على يد محققين أمريكيين. وكشف ذلك الخبر عن انتهاكات مرعبة وقال الكاتب «قدمت اعترافات الجنود أمام لجنة التحقيق عدداً لا يحصى من الجرائم التي كانت ترتكب ضد المعتقلين بعيداً عن أعين المراقبين. فهذه مجندة متعطشة لإهانة السجناء لا تتحدث معهم إلا بعد أن تبطحهم أرضاً وتدوس على رقابهم.. جندي آخر يعشق ضرب المعتقلين على أعضائهم التناسلية.. وآخرون يجبرون السجناء على تقبيل أحذيتهم والزحف على الأرض أو يجبرونهم على جمع أغراض ما من برميل مليء بالغائط والماء.. كلها استراتيجيات تهدف لجعل السجناء ينهارون نفسياً وسيكون الملجأ الوحيد لهم هو الاعتراف والتعاون مع المحققين». ولكن المصيبة أن الانتهاكات التي كشف أمرها في أفغانستان أو العراق لا تعني أن السلوك السيئ للجنود الأمريكيين قد توقف.. فالجنود الذين وصلوا لمحاربة الإرهاب أصبحوا رمزاً من رموزه بين ليلة وضحاها. وباتت حرب العراق تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل كل أمريكي خاصة إذا ما استمرت لسنوات أخرى. ووقع الجنود الذين يمارسون واجباتهم الوطنية بجد وأمانة ضحية لغدر قادتهم الذين يشجعون لممارسة السلوك السيئ ويسمحون بنمو الأعمال الوحشية. لذا يرى الأمريكيون أن رامسفيلد يقود الجيش نحو مستنقع خطر، ولا يوجد أي دليل يثبت لهم أنه قادر على الخروج من هذا المأزق بنجاح. (نيويورك تايمز)