مفهوم الجودة رافق الفكر والسلوك الإنساني منذ القدم ونص الكثير من التعاليم الدينية في الكتب المقدسة على أهمية تجويد العمل والاهتمام بتكامله ودقته. الأب الحقيقي لحركة إدارة الجودة كمفهوم شامل وكجزء أساس من عمل الإدارة اليومي هو ادوارد ديمنج ثم يليه جوران الذي يعتبر من الرواد الأوائل في مجال إدارة الجودة في العصر الحديث والذي درّس مبادئ الجودة لليابانيين خلال فترة الخمسينيات. وتشير بعض الدراسات الأخرى إلى ان أول ظهور للاعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم كان في الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية القرن العشرين الميلادي. وتشير الدراسات إلى ان مفهوم الجودة انتقل من الصناعة إلى التعليم في فترة الثمانينيات الميلادية حيث ظهر الكثير من المؤلفات التي تتحدث عن الجودة في مؤسسات التعليم نتيجة الشعور بضعف الأداء التعليمي والشكوى المستمرة من أداء المؤسسات التعليمية ومنذ ذلك الوقت والجهود تبذل لتطبيق مفاهيم الجودة على مؤسسات التعليم. وقد بدأ كنظام اختياري غير حكومي يهدف إلى الارتقاء بنوعية التعليم في المدارس والكليات والجامعات وضمان جودة أدائها وعلى الرغم من ان مؤسسات الاعتماد هي مؤسسات مستقلة غير حكومية إلاّ أنه يتعين ان تعترف وزارة التربية في الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمنظمات التي تمنح الاعتماد ويتمثل ذلك الاعتراف في تصريح من الوزارة يمنح لمنظمات الاعتماد بممارسة نشاطها من خلال اللجنة الاستشارية الوطنية (National Advisory Cammittee) الخاصة بضمان نزاهة عمليات المراجعة والتدقيق، وعلى أساس ما تقرره هذه اللجنة يقرر وزير التربية ما إذا كانت المنظمة التي تمنح الاعتماد سلطة يعتد بها فيما يتعلق بنوعية التعليم أو التدريب وجودته. بعد ان لاحظ المهتمون بالشأن التعليمي ما تحققت من نجاحات باهرة في الجوانب الصناعية والاقتصادية وغيرها. ولكن من المتفق عليه ان مفاهيم الجودة تتبع أساليب إدارية وأنشطة وممارسات وفقاً لنظم تقود إلى التحسين الدائم للأداء فهي تركز على الجوانب الإدارية أكثر من أي جانب آخر. وبالنظر إلى واقع التعليم العالي في المملكة العربية السعودية نجد توسعاً كبيراً في إنشاء الجامعات فتحولت كليات كثيرة كانت تابعة لجامعات رئيسية إلى جامعات مستقلة، مثل جامعة القصيم وجامعة سلمان بن عبدالعزيز بالخرج، وجامعة شقراء وجامعة نجران وجامعة الجوف وغيرها كثير حتى أصبح يوجد لدى المملكة 24 جامعة، وهذا ما يحتم ضرورة الاهتمام بجودة أداء هذه الجامعات والتحقق من مستويات خريجيها خاصة في ظل التنافسية الشديدة التي أصبحت تجتاح شتى مجالات الحياة بكافة صورها وعناصرها حيث أصبحت الجودة معياراً أساسياً في أي منتج أو خدمة أو منهج تعليمي أو تدريبي سواء على مستوى الفكر أو مستوى التطبيق بحيث يمكن القول ان مفهوم الجودة بأبعاده وعناصره المتعددة قد بات حاضراً في كل مواقع العمل، وأصبحت إدارات الجودة جزءاً لا يتجزأ من الهيكل الإداري لأي مؤسسة أو منظمة. وتظل قضية الجودة في التعليم من أصعب القضايا وأكثرها تعقيداً إذ تتطلب مسيراً وتخطيطاً بعد المدى فهي ليست من نوعية الأعمال التي تنجز بين يوم وليلة ولكن تحتاج إلى جهود وخطوات ومراحل زمنية حتى يتسنى لنا التأكد بأننا نسير في الاتجاه الصحيح، فمع تكامل وتوسع التعليم الجامعي من النواحي الكمية الأساسية كما أسلفنا، إلاّ ان القضية الأهم تبقى في كيفية الاهتمام بنوعية وجودة هذا التعليم من الناحية الكيفية وهنا يبرز الدور المحوري للهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي - هذا الصرح الوطني الكبير - إذ بدأت جهودها بالفعل وهي جهود متواصلة وتسير بخطى ثابتة ومدروسة ومخططة من خلال ما تقوم به الهيئة من وضع نظام شامل للاعتماد الأكاديمي وتأكيد الجودة والذي يجري تطبيقه على كل مؤسسات وبرامج التعليم العالي الحكومية والخاصة بالمملكة، ويستهدف ذلك توفير آلية ضرورية لضمان نوعية وجودة المناهج والبرامج الدراسية وتأهيل وكفاءة هيئات التدريس، ومدى جاهزية المؤسسات التعليمية في النواحي الفنية والمادية. والمهمة الأساسية لهذه الهيئة تتمثل في وضع المعايير والمقاييس والإجراءات الخاصة بالاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة، جودة الأداء وتقييمه في مؤسسات التعليم العالي بالإضافة للاعتماد المؤسسي والبرامجي وتنظيم إدارة النشاطات والفعاليات التي تستهدف تعزيز مستويات الجودة في عمل مؤسسات التعليم العالي وتكريس وتعزيز مفهوم الجودة في مناهج وأداء الجامعات والكليات وأساليب عملها التعليمي والتدريبي والإداري والنظم والضوابط التي تحكم عمل المؤسسات التعليمية الجامعية. وإذ كنا بصدد توصيف واقع معاش الآن فلابد ان نؤكد على الحالة التعليمية والأكاديمية الرائعة للجامعات السعودية في ظل المناخ المحفز والبيئة الداعمة للتطوير والتحسين من خلال ما تقوم الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي من جهود في مجال نشر ثقافة الجودة وتطبيقاتها في المؤسسات التعليمية، وما قامت به من تصميم لنماذج التقويم الذاتي للبرامج والكليات والمؤسسات وهو ما يمهد الطريق لحصول هذه البرامج والمؤسسات على الاعتماد في حال تحقيق المعايير المحددة من قبل الهيئة وهذا ما تصبو إليه كل الجامعات. * أستاذ مشارك - عميد السنة التحضيرية بجامعة الجوف