جلس الولد مرغماً بعد ان دفعه ابوه على الكرسي. كانت عينا الأب جاحظتين وحاجباه مرتفعين وذراعه تصعد وتهبط الى جانبه مثل بندول الساعة قال: «هات ما عندك. قل كل ما لديك» تفاجأ الولد رغم ما اتصف به من جرأة وبقي صامتاً. ضربه أبوه على كتفه وقال «تكلم» بقي الولد في حالة من الدهشة والذهول «عماذا اتكلم يا أبي؟» اخذ الاب كرسياً وجلس قبالة ابنه. كانت قطرة عرق معلقة على جبين الاب تسمرت عليها عينا الولد المذعور. «لا تدع الجهل. فأنا اعرفك تجيد المماطلة» «اجهل تماماً ما تعني. ارجو ان توضح قصدك» نهض من كرسيه ودار حول الابن فيما كان الأخير جامداً في مكانه، يخشى تحريك رأسه وما كان يعرف سر هذا الخوف لكنها الغريزة التي تنبيء بالخطر. قال الاب وهو يسير نحو النافذة المغطاة بستارة طويلة: «طبعا، طبعا، وماذا اتوقع منك غير ذلك؟ كيف لي انا الرجل المسكين الذي لا يدري عما يدور حوله والذي يعمل ليلاً ونهاراً ليعيشكم احسن عيشة ان يصدق ان احد ابنائه والذي من المفترض به الا يشغل نفسه بغير الدراسة فقط، يقوم بأمور اخرى تأخذ جل وقته وتجلب له ولنا القيل والقال؟ - «هل تقصد؟» وصمت ليكمل الاب قائلاً: «نعم، عملك كمحاسب في محل السوبر ماركت القريب من بيتنا. لقد رآك هناك اكثر من شخص ممن لي معهم علاقات عمل. احرجتني امامهم. هل انت بحاجة الى المال؟ الا اعطيك مصروفك كاملاً؟ ما الذي جعلك تلجأ الى العمل وانت طالب؟ ما هي المسؤوليات التي تكبدك مشقة الوقوف على قدميك لساعات طويلة في وظيفة بسيطة مثل هذه بينما ابوك يملك شركة كبيرة؟ اني لا افهم!». اطرق الولد برأسه وقال بصوت خفيض: «لكنك لا تسمح لي بالعمل في شركتك بحجة ان هذا قد يؤثر على دراستي! انا آسف يا ابي اذ عرضتك الى مثل هذا الاحراج امام اصدقائك من رجال الاعمال لكني في هذه المرحلة من حياتي احتاج الى الاستقلالية في شؤوني الخاصة». ثم وقف خلف المكتب البني الصقيل وتابع وهو ينظر الى ابيه بثقة: «لا استطيع يا ابي ان اقف امامك كل يوم ماداً طالباً منك مصروفي. اريد ان اعتمد على نفسي واشعر بمتعة ان احصل على المال من تعبي وجهدي». قال الاب بحنق: «هذا كلام تافه لا اصدق حرفاً واحداً منه. انت تفعل ذلك متعمداً حتى تحرجني مع الناس. لا اجد تفسيراً آخر لما تفعله». التفت الولد نحوه «انك تسيء فهمي يا أبي. وهذه ليست المرة الاولى، سبق وان ظملتني كما اني لم افعل ما يجعلك تغضب مني الى هذا الحد. اني اقوم بكل ما علي من واجبات والتزامات فرضتها علي ولم اتذمر لحظة واحدة. الا اذا كان لغضبك هذا علاقة باحتجاج زوجتك الجديدة على عملي فقد بت اعرف مكرهن. تلقى فجأة على صدغه صفعة قوية. راحت يده تتحسس صفحة خده ثم سمع صوت بكائه الخافت. «آخر مرة اسمح لك فيها ان تتحدث بالسوء على زوجة ابيك» قال الولد من بين دموعه: اي واحدة؟ الزوجة الجديدة التي تزوجتها منذ شهر؟ ام التي قبلها بثلاثة اشهر؟ «لا شأن لك بهذا قلت لك. ليس عليك سوى المذاكرة فقط لتحصل على الشهادة الجامعية اما ما عدا ذلك فهو لا يعنيك ومع ذلك فقد نجحت في المماطلة مرة أخرى. الم اقل لك؟ تخرجين عن صلب الموضوع لتضع اللوم علي وكأنني انا المذنب لا انت!». «هذا ما تظنه» ثم نهض من مكانه واستدار نحو الباب «لست ملزماً بالمكوث هنا لأتلقى توبيخك، ليس بعد الآن. لم اعد طفلاً. لقد اصبحت رجلاً يعرف مصلحة نفسه». قال الأب بإبتسامة ساخرة: «نعم رجل في الثامنة عشر من عمره فقط!». رد بإصرار سأعتمد على نفسي من اليوم وصاعداً، وسأخرج من حياتك نهائياً حتى ترتاح مني» «واين ستعيش؟ عند زوج امك؟ ذلك الرجل البخيل السيء المعشر والذي لا يطيق رؤية احد منكم عند باب بيته؟ انكم كي تروا والدتكم تضطرون الى الاجتماع كل خميس عند خالتكم! الى اين انت ذاهب؟» صرخ به ثم جذبه من ذراعه بقوة واعاده الى الداخل ثانية «لن تتحرك من هنا. هذا بيتك وبيت ابيك هل سمعت؟» قال الولد «نعم يا أبي» «والآن هات ما عندك. قل كل مالديك»