الرياض هذه المدينة العملاقة التي يعتمد سكانها بشكل كبير في تنقلاتهم على سياراتهم الخاصة التي تكتظ بها شوارع المدينة الفتية المفعمة بالمشروعات الكثيرة، مما يجعل قيادة السيارة – وخصوصا في أوقات الذروة – مهمة شاقة وعسيرة، فعندما آخذ بنياتي الصغيرات إلى المدرسة في الصباح الباكر يزعجني ويرعب الصغيرات التواجد الكثيف للشاحنات الضخمة جدا، بعضها محمل بأطنان من الحصى الذي يتساقط بعضه في الطريق!! وكذلك صهاريج نقل المياه الكبيرة التي يتسرب منها الماء على الإسفلت فيجعله زلقا، وإلى جوارها حاملات خلاطات الاسمنت الجبارة، ولما تجد نفسك وأطفالك بين هذه التلال الضخمة من الحديد المتحرك في الصباح الباكر فإن هذا الأمر لا يخلو من الفزع. كنت قد سمعت من قديم أن الشاحنات تمنع من الحركة في أوقات ذهاب الطلاب إلى مدارسهم والموظفين إلى أعمالهم، وهذا أمر مطلوب، وكم أتمنى أن يفعل هذا التنظيم، ولكن هذا لن يتم إلا بتواجد حقيقي لرجال المرور في الميدان، تحقيقا للمقولة العظيمة (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). (ولا أذكر أني رأيت سيارة مرور منذ وقت طويل جدا عند تقاطع طريق أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع طريق الإمام سعود بن عبد العزيز المكتظ بالشاحنات وصهاريج نقل المياه ابتداء من السادسة والنصف صباحا). أما عند البوابة الجنوبية لجامعة الأميرة نورة للبنات فإن ما يحدث كل صباح هناك لأمر عجب، سيل من السيارات قادم من الغرب عليه أن يدور إلى الخلف ويتجه إلى الغرب مرة أخرى يلتقي بسيل من السيارات قادم من الشرق، ولا يستطيع أحد اجتياز تلك النقطة إلا بالمغامرة والاقتحام وإلقاء السيارة بشكل عشوائي يَفْرَق منه القادم من الجهة الأخرى فيقف برهة يجمع فيها قواه ليكر هو الآخر ليفرق الجمع الذي أمامه، مرددا قول الشاعر: أكر على الكتيبة لا أبالي أفيها كان حتفي أم سواها كل ذلك في مشهد محزن. ولأني أعلم أن السيارة تضم في باطنها وقودا ونارا، فإني أتهيب في كثير من الأحيان من الاقتحام بها في طريق يختلط فيه حابل السيارات بنابلها، مما يثير غضب من خلفي من السائقين ويضطر بناتي إلى التأخر عن موعد المحاضرة الأولى، ولسان حالهن: (لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ). في مثل هذه الظروف قلت في نفسي: ماذا لو أن أحد رجال المرور الكرام قرر أن ينذر نفسه لله ساعة من نهار وأن يحضر بسيارة المرور إلى ذلك الموقع فينظم السير، فيفوز بالدعوات الصالحات. ويفرح المنضبطون برؤية سيارة المرور في الشارع، ويهاب المخالفون فيتورعوا عن ارتكاب المخالفات. فإن لم يكن هذا الأمر واجبا فما المانع أن يكون احتسابا.. والله المستعان.