هل تساءلت يوماً عن سبب اقتصار الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته للرجل على قوله (لا تغضب) يرددها مراراً دون سواها من الوصايا.. وما هي الحكمة العظيمة خلف هذا الاقتصار؟ ولماذا أغلق صلى الله عليه وسلم على كل متعلل بأن طبيعته حادة، أو أن مزاجه عصبي فأخبر الخلق كلهم بأن (العلم بالتعلم، وان الحلم بالتحلم، وان الصبر بالتصبر) وهو كلام واضح وصريح بأن الإنسان الذي يولد جاهلاً فإنه بمحاولته التعلم يصبح مع المحاولة والوقت عالماً... وكذلك العصبي والغضوب إذا حاولا أن يكونا حليمين ومتحكمين في أعصابهما فإنهما مع المحاولة والوقت وجهاد النفس يستطيعان أن يكونا كما يريدان... ولكن يجب أن تكون هذه المحاولات في تربية النفس وتهذيبها مرتبة ومجدولة وذات أمد زمني مناسب... لأن تغيير السلوك فيه صعوبة لابد أن نعترف بها ولكنها صعوبة وجهاد في سبيل تحقيق فضيلة وخُلق حسن... ومن كان يظن أن تغيير السلوك سهل وسوف يتم في وقت قصير فهو مخطئ لأنه ظن أن السلوك والطبع كالثوب الذي يخلعه ويلبس غيره كلما أراد !! وصاحب هذا الفكر لايمكن أبداً أن ينجح حتى ولو حاول مراراً لأنه في كل مرة يحاول فيها يكون قد بدأ من جديد ، ولو أنه حاول مرة واحدة وأعطى نفسه الوقت الكافي وصبَّر نفسه وجاهدها لكان من المؤكد من الناجحين... وهناك أمور يجب أن نتذكرها قبل البدء في معالجة وإدارة الغضب وهي: *** أولاً: ثقتنا في قدرتنا على التغيير ، وطلب العون من الله تعالى وكثرة الدعاء ، فنحن لا نستطيع أن نغير في الآخرين ، أو أن نتجنب الظروف التي تسبب الضيق ، لكننا نملك انفسنا ونستطيع ان نديرها، وأن نتحكم في ردود افعالها ، لما يعود علينا بالنفع .. *** ثانياً: إيجاد الجو الصحي المناسب ، وطلب المساعدة والمعونة من الاهل ، فيد واحدة لا تصفق ، ونحن بدورنا نحتاج الى التشجيع ، وسماع التعزية والتصبير من الآخرين ، وكذلك نحتاج إلى من يستمع الينا ليخفف عنا ما نعانيه بسبب كف الغضب وكظم الغيظ... *** ثالثاً: الصبر على ما يواجهنا من صعوبات في مراحل العلاج خصوصا في الايام الاولى من التصبر ، فتحصيل الخير دائما لابد فيه من المشقة والمجاهدة للنفس... *** رابعاً: إعطاء الفترة العلاجية المدة الزمنية اللازمة، دون استعجال للنتائج ، وعلماء النفس يحددون هذا الوقت من ثلاثين الى اربعين يوما كمتوسط كاف لتغيير السلوكيات .. *** خامساً: الصدق مع النفس والتقليب داخلها بحثاً عن أسباب الغضب الحقيقية ، فقد تكون الاسباب خفية ، ربما كانت نوعاً من التكبر او الانانية او المبالغة في مفهوم مقاومة الظلم مهما صغر ، والانتقام للكرامة ، او الاحساس بالتهديد ، وربما كانت الاسباب تتعلق بحب الانفلات وعدم الرغبة في التقيد بالآداب الخاصة بالمجاملات واللياقة ، ففي الغالب هناك سبب نفسي او تربوي يجب ان نبحث عنه ولا نغفله.. *** سادساً: معرفة عاقبة الغضب الوخيمة ، على النفس والبدن ، فالدراسات الطبية والنفسية الحديثة ، تفيد انه بمجرد حدوث الغضب يبدأ معدل ارتفاع ضربات القلب، وتتردد الانفاس بسرعة وترتفع نسبة الضغط ، فينطلق الدم الى الرأس والوجه فتنتفخ الاوداج، ويحمر الوجه وتتغير معالمه ، ويزداد تدفق الدم الى الاعضاء فتتوفز العضلات في كل انحاء الجسم وتبدأ بالارتعاش ويعلن الجسم حالة الطوارئ استعداداً لأي ردود فعل جسدية.. وكلما طالت فترة الغضب زاد إفراز هرمون الادرينالين في الدم ما يزيد من نسبة التوتر والنشاط الجسماني، ويبقى هذا الاثر لهذا الهرمون فترة طويلة لا يستطيع الجسم بعدها الهدوء الا بعد مضي ساعات طويلة وربما طال الأمر عن ذلك... وأكدت الدراسات أن هذا التوتر القوي يهز الجسد بعمق ، فيضعف فيه المناعة الداخلية بشكل ملحوظ ، ويشجع على ارتفاع الوزن وتكتل الدهون حول الكرش ، وهو سبب من أسباب السكتات القلبية المفاجئة وموت الفجأة فهل بعد هذا نتساءل عن حكمة الاقتصار على هذه الوصية دون غيرها؟ وعلى دروب الخير نلتقي...