تتماشى مع إحساس كسر حاجز الصمت المفروض عامة، والذي تستشعر أنه فرض عليك بشكل خاص، تعجز مهما حاولت عن أن تحرّضه على البوح بأسباب تواجده، ليس صمتاً فاعلاً، أو مؤثراً، ولكنه قوي ومناكف أكثر من حضوره. هل حضر ليلوّن يوميات من تماشوا معه؟ أم ليصنع هوياتهم في ظل غياب إحساس كامل بالهوية؟ ألا يكفي التعامل منذ زمن مع كل تلك الأشياء الجامدة؟ ألا يكفي تنافس غياب الطاقة، وهشاشة الحياة؟ في مفردات التعامل اليومي مع مستجدات الأيام، والتي من ضمنها الصمت، والقلق واختفاء الوهج، وغياب الاحساس بالأمل، ينتابك عطش غريب للحياة الحقيقية الخالية من فوضى الغياب، إحساس آسر بأن تلتقي بما تبحث عنه، إحساس عميق بأن تحاول اكتشاف وتيرة تلك الطاقة التي لم تجدها سوى في أيامك، وفي ملامحك. لا المسافات بعيدة، ولا الزمن لايسمح ببناء مساحة من العيش الآمن، لكن بعض القلق والخوف من حلول الصمت الرهيب أحياناً سيساهم في إغلاق كل المنافذ المؤدية إلى تلك الحياة التي لا ينبغي أن تتعب وأنت تلاحق أيامها. هل الصمت كغيره من تلك الأشياء التي تحل عندما يحين موعدها، وعليك أن ترتهن طائعاً لوجودها، ولا تستعير زمناً لتغيب فيه حتى موعد مغادرتها. هل الصمت وكأنه سيد الحضور، وأريج المدينة، وارتباك التفاصيل الصغيرة؟ ليس أمامك سوى مجالسته، وتدوين هذا الحضور الذي لن تنعتق من واقعيته. ليس أمامك سوى التماهي معه والتعايش ليس لأنه المدى اللامتناهي، ولكن لأنه ذلك العالم الذي ينبغي ممارسة فعل الاصغاء معه حال حضوره. في فترة من الفترات كُنتَ تتخيل أن الصمت يعني غياب اللغة من الحضور، وتحريرها من المفردات المجازية والمتكررة. كنت تعتقد أنه إن حضر فسيقودك إلى ذلك العالم الخالي دون بوصلة. كنت تعتقد أنه إن جرؤ على أن يختصك بحبه، فلن يغير الأيام إلى فراغ ودهشة. لا شيء من الممكن أن يستهل قرارات حضوره. توصلتَ بقناعة عندما حضر إلى نقطة التقاء معه، وإلى الوقوف إلى جانب انك المختص بهذا الحضور وعليك أن تتلاءم معه وتتوجع، وتحتفل، فالجرح لا يؤلم إلا صاحبه، وفي موضع الألم. داخل الحدود أنت مع ذلك الصمت الذي حل، وخارج الحدود أيضاً، لم تطلب الخلاص، ولن تكتفي بملامسة والتعايش مع وجود هذا الحضور، فالأولوية الآن كيف تدير لحظات حضوره وبقائه إن أطالها. الأولوية ليس التمرد، أو الإحساس بأنك ستمضي بقية العمر في العجز المطلق لتفهم ما حلّ بك. قررتَ أن لا تحجب الضوء عن الشمس الساطعة، وأن لا تستكين لمن غلبك من منطلق أن التوازن سيأتي، وأن الكارثة أن تفكر الآن في وضع نهاية لما يجري، لكن العقلانية تقتضي البحث عن نقاط الاتفاق، ومفاتيح التعايش الموضوعية، والتأمل في الصورة، بعيداً عن الرغبة في المتاجرة بها..