ونحن على مشارف الربع الأخير من عام 2011 يمكن القول إننا أمام سنة سينمائية "أمريكية" سيئة بكل المقاييس, حيث لم يظهر فيها إلى الآن ما يمكن وصفه بالفيلم "الحدث" الذي يُشبع العين والذائقة, إذا استثنينا بالطبع رائعة تيرينس مالك (شجرة الحياة-The Tree of Life), ولو قارنّا الأشهر التي مرت من السنة الحالية بمثيلتها في 2010 لوجدنا أن السنة الماضية قد شهدت –على الأقل- ظهور ما لا يقل عن خمسة أفلام رائعة في أشهرها الأولى كان لها حضوراً مميزاً في موسم الجوائز؛ من بينها فيلمي (استهلال-Inception) و(Shutter Island)؛ لكننا لا نجد شيئاً من ذلك في ما فرط من سنتنا الحالية. ما ظهر من أفلام أمريكية حتى الآن يدور أغلبه حول سينما المؤثرات البصرية والكوميديا الرومانسية والرعب الدموي؛ وفي قالبٍ تسلوي خفيف يخلو من الجودة على مستوى الحبكة والأفكار, وإذا قبلنا هذه الأفلام على علاّتها وأردنا اختيار الأجود من بينها فيمكن الإشارة أيضاً إلى أفلام قليلة جداً حققت توازناً بين قيمتها الفنية وبين حرصها على تحقيق عائد أكبر في شباك التذاكر, نذكر منها فيلم Limitless وفيلم The Help, وهذه القلة في الخيارات هي ما نعنيه حين نقول أن السنة الحالية من أسوأ سنوات هوليود. في الماضي كنت تشير بسهولة إلى عشرات الأفلام الرائعة في السنة الواحدة, لنأخذ سنة 1994 مثالاً لذلك, أو حتى سنتي 2003 وَ2007, كانت سنوات سينمائية عظيمة بأفلامها الممتازة المتوزعة على مدار أيامها, لم تكن جودتها مرتبطة بموسم الجوائز الذي ينطلق في أكتوبر من كل سنة, بل حتى أفلامها المُصنّفة على أنها "أكشن" وحركة تمتاز بقيمة فنية عالية؛ مثل Clear and Present Danger 1994, وسلسلة "بورن" في الألفية الجديدة, أما منذ 2009 فقد ارتبط التميز بآخر شهرين من السنة وبأفلام تعد على الأصابع. هل هذا مؤشر لهبوط عام تعانيه هوليود؟. هل هي مجرد "كبوة" ستنتفض بعدها السينما الأمريكية لتعود إلى سنوات مجدها؟. يبدو لي أن الهبوط سيستمر وأنه لا أمل لشفاء هوليود لسبب بسيط هو أن سوءها الحالي مرتبطٌ في صميمه بالتطور التقني والأرباح المليونية التي تحققها الأفلام الأمريكية حول العالم؛ وهذان عاملان مستمران ومرشحان للتأثير بشكل أكبر في المستقبل, فمن سيفكر بالأفلام "النخبوية" طالما أن السطحية تحقق الأرباح, وكيف سيتنازل صناع الأفلام عن تركيزهم المطلق على المؤثرات البصرية الباهرة ما دامت هي مطلب الجمهور, حتى مارتن سكورسيزي وقع تحت ضغط التقنية في فيلمه الجديد Hugo, والمعروف دائماً أن هناك علاقة عكسية بين جودة الفيلم ومؤثراته البصرية. لقد ولىّ زمن المنتج الذي يحرص على صناعة فيلم عظيم مقابل كل خمسة أفلام تجارية؛ إن ما قاله روبرت دينيرو في فيلم The Last Tycoon ينتمي إلى عالم آخر لم يعد له وجود في عالم ما بعد الإنترنت؛ حين قال على لسان شخصية المنتج السينمائي مونرو: "إن من واجبنا أن نصنع شيئاً للتاريخ", والمفارقة أن مقولته أصبحت جزءاً من تاريخٍ كانت السينما فيه عظيمة بالفعل.