شاهدت حلقة واجه الصحافة التي استضاف فيها الأستاذ داود الشريان الفنانين ناصر القصبي وعبدالله السدحان وعاونه في التقديم الأستاذ سعد الدوسري. حلقة لم أجد لها طرفا. أشبه بلفافة خيوط مستعصية. أكد لي الأصدقاء الأربعة ما كنت أردده دائما. أن من أهم عيوب المثقف السعودي الوقوع في فخ السؤال بسهولة. كيف نقضي على ظاهرة العنوسة؟ يلاحظ أن الحوار في المسلسلات السعودية سيئ كيف وما هي السبل لتطويره؟ لماذا لا يوجد لدينا كوميديا موقف؟ المثقف السعودي يجيب على السؤال قبل أن يتحقق من محتواه. هل فيه ظاهرة عنوسة فعلا وما تعنيه اصلا؟ ما هو المقصود بالحوار وما هي كوميديا الموقف؟ لا يختبر محتوى السؤال وإنما ينخرط فورا في الإجابة قبل أن يسبقه الآخر عليها. ليست المرة الأولى التي اسمع فيها حديثا عن كوميديا الموقف. تأتي هذه الكلمة دائما في مقابل كوميديا التهريج. يفهم المرء أن كوميديا الموقف أرقى من كوميديا التهريج. إذا كان المرء يستطيع أن يعرف ما هي كوميديا التهريج من اسمها على الأقل فليس من السهل تعريف كوميديا الموقف. كل ما في الأمر أن إدانة كوميديا التهريج تستدعي شيئا مقابلا لها أو بديلا عنها فتم الاستعانة بكلمة كوميديا الموقف. جلست مع معظم الممثلين السعوديين البارزين. سمعتهم يتحدثون عن كوميديا الموقف. لم أتحقق أن أيا منهم يعرف لها معنى محددا. ليس لأنهم جهلة ولكن لأنها بعيدة في معناها عما يصبون إليه. هي في أذهانهم المقابل الموضوعي الايجابي والجدلي لكلمة كوميديا التهريج السلبية. بعضهم لا يعرف أنها مجرد ترجمة حرفية لنوع من أنواع الدراما شائع في التلفزيون الأمريكي والبريطاني يعرف ب sitcom اختصار لكلمة (situation comedy ). الموقف هنا لا يقصد به الموقف المتعارض بين طرفين أو الموقف الثقافي أو الفكري أو الظرف الزماني أو التناقضات التي قد تخلق موقفا مضحكا. الموقف هنا يعني المكان. أين تجري الأحداث. في مقهى في مدخل عيادة في صالة بيت عائلية في مطبخ في غرفة دراسة الخ. هذا هو (الموقف) المقصود به في الكلمة. من يظن أن الستم كوم أو كوميديا الموقف الأمريكية تعتمد على الحوار الراقي وخلق المواقف فهو مخطئ. معظم ما سماه الاستاذ ناصر القصبي ذبات هي في الكوميديا الأمريكية ذبات جنسية وبعضها تافه وأقرب إلى التهريج. ما ينقصنا من تهريج الأمريكان هو الحرية الاجتماعية التي يتمتع بها الممثل في بلاده وما ينقص الأمريكان من تهريجنا المحلي هو كوميديا التقمص. أن تلعب دور فؤاد ( ناصر القصبي ) والعربجي ( فايز المالكي ) والشايب ( عبدالله السدحان) الخ . وظاهرة التقمص من ميراث عبدالعزيز الهزاع وسعد التمامي وابو مسامح وحسن دردير ورفيقه المرحوم لطفي زيني. كوميديا الستينيات من القرن الماضي. كان الفنان في ذلك الزمن يخلط بين العيارة والفن. يخلط بين القفشات الشعبية الفطرية والفن المصنوع والمصمم على الورق. أمر عجزنا أن نتخلص منه. استمرار حالة التقمص التي تعتمدها الكوميديا السعودية في القرن الواحد والعشرين يعود إلى الافتقار إلى النفس الطويل. لا أعرف كاتبا سعوديا حتى الآن يستطيع أن يكتب مسلسلا كوميديا من ثلاثين حلقة متواصلة (بنفس الشخصيات) ولا أعرف أن فنانا سعوديا قادرا على الاحتفاظ بالشخصية التي يلعبها ثلاثين حلقة متواصلة أيضا. الفن في السعودية مثل الكورة بالضبط يصرف عليه ملايين وتتابعه الملايين ومازال يدار بعقلية وروح ونفس الهواة.