هناك هجمة غير مبررة من بعض الجهات على كل من ينتقد الاستمرار في زيادة الاستثمارات السعودية في سندات الخزينة الأمريكية، وبقدر ما أن هذه الهجمة غير مبررة فإن الرد عليها مبرر بل واعتقد انه واجب. التبريرات التي يسوقها بعض من هؤلاء المحليين تفتقد إلى الواقعية الاقتصادية والمالية، فالبعض منهم يخلط بشكل عجيب بين السياسة المالية والسياسة النقدية إما عن جهل أو اعتقاداً منه أن القارئ لا يعرف الفرق بينهما، والأكيد أن الحديث عن أسعار الفائدة على الدولار وطباعة المزيد من الدولارات وسياسة الانفاق الحكومية للولايات المتحدةالأمريكية هو خلط غير صحيح للمبادئ الأساسية للتحليل الاقتصادي المحترف للوضع الحالي للاقتصاد الأمريكي. هناك مجموعة من الحقائق لا يختلف عليها المحلل المحترف والقارئ الكريم، أولها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تعاني من ضعف واضح وملموس في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها ومن يقرأ التقرير المصاحب لستاندارد اند بورز الخاص بتخفيض التقييم الائتماني للسندات الأمريكية سيلاحظ ذلك بكل شفافية، الحقيقة الثانية والمهمة أن الغرض الحقيقي من طباعة المزيد من السندات الحكومية الأمريكية لم يعد يستخدم لمشاريع إعادة تأهيل البنية التحتية لأمريكا كما كان يعد بذلك الرئيس أوباما بعد انتخابه أو حتى الصرف على أبحاث ذات طابع تقني تحقق مردوداً مالياً مستقبلياً أو مشاريع مدرة للدخل، بل ان الغرض الحقيقي منها هو سداد فوائد السندات التي استحقت أو التي في طريقها للاستحقاق وهذه بالتأكيد كارثة ناهيك عن الكارثة الأعظم وهي الشكوك المتزايدة من قبل كبار الدائنين للحكومة الأمريكية (الصينيون) على قدرة أمريكا على سداد قيمة السند نفسه. اجمالي الالتزامات المالية الأمريكية للداخل الأمريكي والخارج في طريقه لكسر سقف 15 تريليون دولار (التريليون ألف مليار) وهو رقم فلكي لم يحدث له مثيل في التاريخ المسجل للعالم منذ بدء الخليقة ولا يبدو انه سيتوقف وبالتأكيد لن يتراجع في المستقبل المنظور. في الحقيقة لا أعلم كيف يناقض بعض المحللين المحليين آراء كبار الاقتصاديين الأمريكيين والعالميين، فإذا كان آلان غريسبان رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) السابق وخلفه الحالي بن برننانكي وغيرهم من كبار الاقتصاديين الأمريكيين تحدثوا بكل صراحة خلال جلسات الاستماع مع أعضاء في الكونغرس في مراحل مختلفة عن الخلل الخطير والواضح في هيكلة الاقتصاد الأمريكي ثم يأتي من بيننا من يقول ان الديون الأمريكية هي بالدولار الأمريكي ويمكن للولايات المتحدةالأمريكية طباعة المزيد من الدولارات لسداد هذه الديون وتخفيض عملتها لتعزيز صادراتها.. هكذا وبكل بساطة وفي تهميش واضح لعقل القارئ الكريم وخرق متعمد لأبجديات التحليل الاقتصادي.. أكثر ما يثير الدهشة والاستغراب في آن واحد هو إصرار هؤلاء على المضي في كتابة تحليلاتهم وتسويق أفكارهم بالرغم من فشلها في اقناع الكثيرين وهم لا يعلمون أو يتجاهلون أن فوق كل ذي علم عليم..