لو قمنا بسؤال مجموعة من المختصين حول العالم عن أهم التحديات الاقتصادية التي تواجه المملكة مستقبلا لوجدنا أن هناك إجماعا بأن الاستهلاك الرهيب للبترول داخليا سيكون أهم هذه التحديات. المملكة تستهلك كمية كبيرة من النفط تعادل أضعاف ما تستهلكه اغلب دول العالم محليا بسب رخص أسعاره والهدر المبالغ فيه والثقافة الاستهلاكية لدينا. وهذا يضعنا امام معضلة كبيرة تمتد إلى اغلب نواحي الاقتصاد. فكما هو معروف أن حوالي 90% من دخل الدولة يأتي من النفط ورغم أن جميع الخطط الخمسية التي وضعت منذ أكثر من 30 عاما يوجد فيها بنود لتقليل الاعتماد على البترول ولو بنسبة صغيرة سنويا إلا أنها لم تنجح في الوصول إلى أهدافها! طبعا هذا لا يعفي وزارة التخطيط من مسئوليتها عن وضع خطط ورقية نظرية لا يمكن تطبيقها وحتى لو طبقت فأغلبها لا تتم متابعة تنفيذه على الواقع! على العموم هذا المقال ليس عن خططنا الخمسية بل هو عن استهلاكنا من النفط حاليا الذي يقدر بالملايين والذي يتوقع أن يرتفع بشكل مذهل مستقبلا مما يجعل دخل الدولة يقل من بيع النفط ويقلل مدخولها وكلنا نعلم أن الدورة الاقتصادية للسعودية تعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي فان قل تباطأت الحياة الاقتصادية في المملكة. ولوضع حلول فعالة يجب معرفة أسباب زيادة الاستهلاك. طبعا على رأس هذه الأسباب يأتي استهلاك البترول في إنتاج الكهرباء؛ ومعروف أن شركة الكهرباء تشتري النفط بحوالي 4 دولارات بينما سعره العالمي أكثر من 100 دولار! وتقوم بحرقه دون هوادة وينطبق عليها استراتيجية (هل من مزيد!) فلا يوجد لديها خطة واضحة لإيقاف الهدر وكل ما تفكر فيه (أعطوني قروضا) وحتى حملاتها للتوعية وتخفيض الاستهلاك حملات غير مرتبة ولا تقنع أحدا! مع أننا نستطيع تقليل الاستهلاك بنسبة كبيرة لو تعاون المواطن. لكن ماذا نقول لشركة يتعب الشخص في إحصاء عدد مديريها! لقد أدركت الدولة ببعد نظرها المشكلة فأنشأت مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة ولكن للأسف كما هي العادة في الدوائر الحكومية كان مسؤولو المدينة متشبعين في البيرقراطية الحكومية! وخطواتهم اقل من بطيئة ومخيبة للآمال. الخطوة الوحيدة التي نجحت في تخفيف الهدر أتت من أرامكو عندما بدأت إنتاج الغاز غير المصاحب لاستعماله في إنتاج الكهرباء! لذلك الحل الأفضل والاكفأ والأسرع هو إنشاء شركة جديدة للطاقة النووية والمتجددة تكون أخت أو تحت عباءة أرامكو تدار بإحدى كفاءات أرامكو وبالعقلية الادارية المتبعة فيها! وتكون وظيفة مسؤولي مدينة الملك عبدالله تشريعية رقابية مثل هيئة الاتصالات. وارامكو ليست غريبة عن مجال الطاقة البديلة فهي سباقة في هذا المجال كما هو مشروع شراكتها مع سولار فرنتير والذي بدأت نتائجه تظهر بمشروع جزر فرسان خصوصا أن الله حبانا بنعمة الشمس المشرقة أكثر من بقية دول العالم. للعلم فقط للسعودية (المتر المربع الواحد في السعودية تسقط عليه أشعة شمس تعادل 7 كيلو وات كهرباء في الساعة، والشمس لدينا تستمر حوالي 12 ساعة يوميا والجو مشمس لدينا بمعدل 250 يوما في السنة) يعني ذلك أن ما نحتاجه هو مساحة قليلة جدا من الأرض لسد حاجاتنا! البعض يعتقد أن تكلفة الطاقة الشمسية عالية لأنه يحسبها بناء على الدول الغربية! او يتحجج بسبب وجود الغبار لدينا ولا يضع في باله أن التكلفة لدينا ارخص بكثير بسبب رخص الأيدي العاملة ووجود مساحات خالية كبيرة في الصحراء وطول مدة سطوع الشمس وتوفر السيلكا الهائل في الصحارى وهناك حلول جديدة للغبار وتنظيف الالواح الشمسية! يجب أن نكون واقعيين فالتحدي كبير ويحتاج إلى تحرك سريع وفعال وبعض الدوائر الحكومية مكبلة ببيروقراطية مسؤوليها الذين يركزون على مساحة مكاتبهم وأثاثها أكثر من تركيزهم على أهداف مشاريعهم، إذن لمَ لا تفعلها أرامكو؟! وتنشئ أرامكو للطاقة النووية والمتجددة ونكون (ان خير من استأجرت القوي الأمين) فهي معروف عنها عدم المبالغة بالتكاليف وسرعة وجودة التنفيذ. * مما قيل هذا الأسبوع: عندما تتجول بالرياض تجد العديد من المشاريع والأبراج بأسماء رجال الأعمال باسم الشيخ سين والشيخ صاد، ولكن عندما بدأت حملة الخير لإنقاذ الصومال لم نسمع عنهم! إن الشيخ الحقيقي شيخ بالعطاء وليس شيخا بجمع المال! لو ان الله رأى أن الأفضل للشخص أن يبقي كل ماله لأولاده لما أجاز له التوصية بثلث ماله! والله إنهم يحرمون أنفسهم من فضل كبير!