في الغالب لا يُرْزَقُ العلماء موهبة الشعر، لأن تركيزهم في العلم يجعلهم يعتمدون على المنطق والواقع، بينما الشعراء يطيرون في الخيال.. ولكن لبعض علمائنا القدماء أشعار جيدة، وإن كانوا مقلين.. وجدت هذا البيت للعالم النحوي (ابن جني) ويبدو أنه قاله في محبوبة أصابها مرض في عينها: «له عين أصابت كل عين وعين قد أصابتها العيون» وللمؤرخ المشهور ابن جرير الطبري أبيات جميلة يصف فيها حاله وأخلاقه: «إذا أعسرت لم يعلم رفيقي واستغني فيستغني عني حيائي حافظ لي ماء وجهي ورفقي في مطالبتي رفيفي ولو أني سمحت ببذل وجهي لكنت إلى العنى سهل الطريق» أما أبو الفرج الأصبهاني فرغم أنه مؤلف أشهر موسوعة أدبية وهي كتاب (الأغاني) إلا أنه لا يعد أديباً بل هو مؤرخ أدبي وراوية، ولم أجد له إلا شعراً قليلاً، منه قوله في وصف حاله وضائقته المالية في شيخوخته: «الحمد لله على ما أرى من ضيقي ما بين هذا الورى صيرني الدهر إلى حالة يعدم فيها الضيف عندي الكرى بدلت من بعد الغنى حاجة إلى كلاب يلبسون الفرا أصبح أدم السوق لي مأكلاً وبات خبز البيت خز الشرا وبعد ملكي منزلاً عامراً سكنت بيتاً من بيوت الكرى فكيف ألفى لاهياً ضاحكاً وكيف أحظى بلذيذ الكرى سبحان الله من يعلم ما خلفنا وبين أيدينا، وتحت الثرى وللقاضي التنوخي (تولى قضاء البصرة في القرن الرابع وكان عالماً فاضلاً): «سحاب أتى كالأمن بعد التخوف له في الثرى فعل الشفاء بمدنف أكب على الآفاق إكباب مطرق يفكر، أو كالنادم المتلهف ومد جناحيه على الأرض جانجاً فراح عليها كالغراب المرفرف غدا البر بحراً زاخراً وأنثنى الضحى بظلمته في ثوب ليل مسجف تحاول منه الشمس في الجو مخرجاً كما حاول المغلوب تجريد مرهف» وهذا شعر مليئ بالصور الفنية.. مبدع فعلاً.. وللفقيه الباخرزي النيسابوري (ت 467ه) يصف حاله وقد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيباً، وحمل العصاء: «حمل العصا للمبتلى بالشيب عنوان البلى وصف المسافر أنه ألقى عصاه لينزلا وعلى القياس: سبيل من حمل العصاء أن يرحلا» وللجواهري صاحب الصحاح: «العز في العزلة لكنه لا بد للناس من الناس» ويقول ابن عبد ربه مؤف (العقد الفريد): «صل من هويت وإن أبدى معاتبة فأطيب العيش وصل بين خلين واقطع حبائل خلٍ لا تلائمه فربما ضافت الدنيا على اثنين» ودخل على الخليل بن أحمد ابنه فوجد أباه يكلم نفسه وحيداً وينقر على خشبة (أثناء اختراعه لعلم العروض) فصرخ الابن: بسم الله الرحمن الرحيم والدي أصابه جنون!.. فقال الخليل: «لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا» وللإمام الشافي أشعار كثيرة، ولكن نحل عليه أكثر منها، وقد حققت أشعاره حين كنت طالباً في كلية اللغة العربية، وربما أعرضها يوماً..