قد نختلف كنقاد ومراقبين في مقاربة أوضاع منتخبنا الوطني، وقد تكون لكل واحد منا طريقته في تدوير زواياه، ولا أرى أن ثمة خطأً في أن نختلف حول السياسة التي يدار بها. إدارية كانت أو فنية؛ بل هنا تحديداً يجب أن يتمحور الخلاف، وأعتقد أن أتفه ما نختلف عليه هو دخول لاعب أو خروج آخر من التشكيلة؛ خصوصاً حينما تنطلق الرؤية من منظار الميول، ومن زاوية التعصب. ما أعنيه بوضوح أن اختلافنا في القضايا الكبرى المتعلقة بالمنتخب الوطني هو ممارسة حضارية، إذ من رحم هذا الاختلاف يمكن أن تتلاقح الأفكار الإيجابية، وتولد الرؤى المكتملة؛ لكن ذلك لن يكون إلا باستشعار المسؤولية من قيمة الاختلاف، بعيداً عن ممارسة كل أشكال التحريض، والاستعداء، والتأليب، وأحيانا التشكيك بل وحتى التخوين، وهو ما يرتد بطريقة أو بأخرى على المشجع العادي؛ خصوصاً من فئة الناشئة الذين يتأثرون بما يطرح إعلامياً، ويتفاعلون معه بطريقة انفعالية ملموسة. في قضية استبعاد محمد نور من قائمة المنتخب الأخيرة على سبيل المثال. ثمة إعلاميون ترجموا القرار على طريقتهم الخاصة، إذ غمزوا من قناة استقصاد اللاعب، ونقروا على طبل التدخلات الإدارية، فيما ذهب بعض منهم بعيداً جداً جداً بطريقة لا تخلو من الدخول في أزقة الانتهازية، ودهاليز تصفية الحسابات، وقد استفادوا كثيراً من سقوط اسم ياسر القحطاني من القائمة الأولى في تدعيم رؤاهم المريضة، والتي ارتدت على الشارع الرياضي بطريقة خطيرة لا تخفى على من يتابع ما يطرح في الشبكة العنكبوتية. هذه الأطروحات المنفلتة من عقال المسؤولية ومثلها كثير وأخطر، وإن لم تكن جديدة على الساحة الرياضية إلا أن تداعياتها اليوم تبدو أخطر؛ خصوصاً مع انتشار ما بات يعرف بالإعلام البديل. فثمة إعلاميون لا يستطيعون ممارسة مثل هذه الأطروحات المؤججة لنيران التعصب في الإعلام الرسمي، إما لعدم قدرتهم على تمرير أفكارهم من خلاله، أو خوفاً من الملاحقة القانونية، ما يدفعهم لطرحها في حساباتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك" و"تويتر" وقد تحولوا فيها لأبطال في نظر المغرر بهم، وهو ما جعل ردود الأفعال الجماهيرية متشنجة؛ خصوصاً مع حقنهم بكل ما يستثير عواطفهم السلبية بطريقة غير مباشرة تجاه "منتخب الوطن". إن ارتداد تلك الممارسة الإعلامية السلبية أمر متوقع؛ خصوصاً من جهة التأثير على تشجيع المنتخب ومساندته، لاسيما في هذه المرحلة التي يعيش فيها حالة انعدام وزن. لا أقول ذلك تهويلاً، بل تشخيصاً لواقع لا مناص من مواجهته؛ ولن يكون ثمة حل لمعالجة الوضع إلا من خلال قيام إدارة المنتخب ومعها اللاعبين بالتواصل مع الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي أسوة بما يحدث عالمياً حيث يتواصل المسؤولون وكذلك النجوم مع معجبيهم، على الأقل لدحض الشائعات، ولتمتين علاقة المشجع بمنتخب وطنه والتي تزعزعت كثيراً، ولأن القطيعة التي نلمسها بوضوح بين أفراد المنتخب بكل فئاته والجماهير ستزيد من عمق المشكلة ولن تردمها.