كانت قيادة السيارات على طرقات المدن في بلادنا فيما مضى عملية ممتعة. إذا أرادت الأسرة قضاء وقت ماتع في التمشية بالسيارة وسيلتها المتوفرة آنذاك. اليوم قضاء مشوار واحد ولو داخل حدود الحي يمكن أن يكون كابوساً ينغّص على الإنسان حياته ويُكدّر ما صفا من مزاجه بل وقد يؤثر على صحته بأمراض كالضغط والسكّر. أزمة التحرك والسير بالسيارة داخل المدن وعلى طرقاتها سببها أولاً تلك الأعداد المهولة من المركبات التي لا تستوعبها السعة المتاحة للشوارع في ظل غياب تام للنقل العام (باصات، مترو، أندر قراوند) وثانياً ورابعاً وعاشراً أنماط وأساليب القيادة العدوانية التي يمارسها معظم السائقين (سعوديين، وافدين) في غياب شبه تام لجهاز المرور عن ضبط المخالفين. ثم فرد المرور عضلاته بمشروع ساهر لضبط السرعة وترك الجمل بما حمل على طريقته الشهيرة في التخلّي (كلّ يصلّح سيارته)..! في المقالين السابقين تناولت الرؤية الساخرة لدليل قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية (المُتخيّل) من قبل أحد الساخرين الذي خطّ بنوده بفكاهة لاذعة قريبة من الواقع المُحزن. اليوم سأتناول نمطين من أسوأ أنماط سلوك قيادة السيارات على الطرقات في بلادنا، عدم ترك مسافة بين السيارات أثناء السير وعدم الانتظام في المسارات أو المسارب المحددة مما يسبب إرباك عملية السير ويتسبب في وقوع المزيد من الحوادث. في الدليل الساخر (المُتخيل) وردت البنود التالية: (1) "لا تترك مسافة بينك وبين السيارة التي أمامك أبدًا، لان ترك مثل هذا الفراغ يعني دخول سيارة أمامك، وهذا يكون على حساب كرامتك ومكانتك (الشوارعية) وفق المفاهيم السائدة حاليًا". وهذا ما يفعله معظم السائقين في بلادنا إذ يلتصق من يسير بالخلف بمن هو أمامه ويُضايقه لدرجة تعريضه للخطر. مع أن أي تهدئة للسرعة أو توقف مفاجئ لأي سبب يعني الارتطام من الخلف. أجزم بجهل 99% من السائقين لدينا بقاعدة (الثانيتين) في حالة السير التتابعي. يبدو أن ربعنا لديهم فهمهم الخاص عن المثل القائل "إذا تم ركلك من الخلف فاعلم أنّك في المقدمة"! (2) "حاول دائما أن يكون خط المسار بمنتصف سيارتك هذه طريقة مثالية لحجز مسارين، في حال خسارتك مسار لأحد الأعداء، يبقى لك المسار الآخر، مع فرصة لاسترجاع المسار المفقود من الخصم". فعلاً.. فهذه القاعدة المعكوسة يطبقها السائق الذي (يزورِقْ) بين السيارات في الطرق الدائرية المكتظّة حيث لا يطيق صبراً من السير البطيء المُنتظم. يسير بين المسارات بطريقة ثعبانية ملتوية (zigzag) وهذا هو المتهوّر بعينه. على العموم لم تكن هذه الأنماط (الشوارعية) موجودة لو كان للضابط النظامي حضور وهيبة. غاب المرور فغاب معه الانضباط وعمّت الفوضى العارمة.