قبل مولدي ببضعة أيام رأى جدي -رحمه الله- ما يراه النائم وهو يعتكف بالمسجد في العشر الآواخر من رمضان أن والدتي أهدته سراجاً مضيئاً؛ فخرج من معتكفه وطار بالحلم إلى أحد مفسري الرؤى الذي زف له بشرى مقدم حفيد سيسميه «سراج»، ويكون هذا الولد -إن صدق الحلم- (طالب علم أو إمام مسجد), فولد الحفيد سراج وأذَّن الجد في اذنه اليمنى بعد ثلاثة أيام معلناً اسمه «سراج بن نهار»، ثم أولم لأهل قريته عقيقة الحفيد التي التهمها الجميع في ليلة شتوية باردة دون أن يكتشف أياً منهم الخطأ الفادح في تركيبة الاسم؛ سوى رجل «أهبل» تسلقى في الشارع الترابي بعد أن غسل يديه بالتراب واضعاً رجله اليمنى على الأخرى، واكتشف أثناء ما كان يخلص اسنانه من بعض بقايا الطعام حجم الخطأ الذي طار به إلى الجد، قائلاً له: «يجب تغيير الاسم وذبح تميمة أخرى».. لم يفهم الجد شيئاً، فقال ماذا لو وجدت من يشعل سراجاً في وضح النهار هكذا سيصبح اسم حفيدك إذا ما نطق متبوعاً باسم والده نهار «سراج نهار»؛ هنا تنبه الجد الذي قلب الاسم فوراً إلى «سعود» -كاتبكم الذي تتالت به خيبات جده ومات يرحمه الله ينتظر متى يصبح حفيده طالب علم أو إمام مسجد دون أن يعلم أنه يوماً سيتحول إلى (صحفي ). تسمية «طعيسان» و«رميلان» و«طليحان» و«رميثان» و«عجاج» بحسب مكان الميلاد دوافع الاختيار هكذا كان الآباء والأجداد يختارون أسماء مواليدهم؛ إما من بيئتهم القريبة أو من الأحداث، أو نتيجة بشرى حلم عابر أو بأسباب بعض المعتقدات المتعلقة بالحياة والموت والحسد والأماني، وعلى هذا الأساس تشكلت أغلب أسماء بعض العوائل والأسر ليس في المملكة فقط، بل في دول الخليج والعالم العربي كافة، خصوصاً في المجتمعات الريفية مقترنة بالأشجار والأودية والطقس والضواري وفي «المعاميل»، وأواني الطبخ، وكل ما يحيط بهم؛ إما نتيجة اعتزازه ببيئته ومحيطه، أو لأنه لا يلتفت إلى المعنى بقدر ما يريد الحصول اسما فقط لمولوده الجديد. ظروف الولادة لا احد يعرف السبب الحقيقي؛ الاّ إن العربي -بالذات الخليجي- اعتاد أن يربط أسماء مواليده بظروف الولادة؛ فيختار اسم «مطر» على سبيل المثال؛ لانه ولد بيوم ماطر، و»طعيسان» أو «رميلان»؛ لانه ولد عند تلة رملية، و»ربيّع» في سنة ربيع، و»رمضان» ولد بشهر رمضان، و»جراد» في سنة هاجمهم فيها الجراد، وهكذا «طليحان» ولد تحت شجرة طلح، و»عريفجان» و»رميثان» في مكان يكثر فيه نبات الرمث، و»قريعان» و»عجاج» و»عطسة» عطست مولدتها أو إحدى الحاضرات أثناء ولادتها و»حميصان» لا يوجد عنده رموش، و»حديجان» طفل متكور يشبه (الحدج) ثمرة الحنظل، وقد يأخذ اسماً من أدوات المطبخ أو السلاح أو (المعاميل) التي يعتز بها مثل، دله ونجر ومحماس وصحين ومهباش وزعفرانة وقهوة وفنجال، أو وسائل أخرى مثل محراث ومحقان وميزان. عملوا في شركات التنقيب وسموا عيالهم: «بوجي» و«حذّاف» و«طرمبه» و«بوري» و«هندل» و«كارونه» أماني وتوقعات وهناك أسماء الأماني والتوقعات، مثل صقر وفارس وذيبان وعقاب؛ فهم يتمنون أن يصبح قوياً وشجاعاً بمثل قوة هذه الضواري والجوارح. ويروي ل»الرياض» «عبد العزيز المبارك» قصة شيخ قبيلة كان قد أُعجب بشجاعة فارس اسمه «شرشاب»، وهو اسم مركب إذا ما تم تجزئته يعطى معنى الشاب الشرير (شر.. شاب) كناية بالشجاعة والإقدام؛ فنذر على نفسه تسمية مولوده باسم هذا الفارس، وتم ذلك لكن شر شاب الأخير ولد بظروف غير ظروف شر شاب الفارس، وكان قد عم الأمن والرخاء أرجاء البلاد؛ فاضطر إلى استبدال اسمه بعد أن صار اسما للتندر والسخرية. ومن أسماء التمنيات «تلهوه» التي يتمنون أن تكون طفلة تلهيهم وتسعدهم و»ذبحة» حتى تذبح العشاق بجمالها، ومثلها «لهده» أو «لهود» و»مرصاع» يتمنى والده أن يكون كريماً يحشو بطون ضيوفه، مثل المرصاع (نوع من الخبز الغليظ)، و»حنش» يتطلع ذووه أن يكون مهيباً يلدغ أعدائه مثل الثعبان، و»براز» حتى يكون بارزاً و»جرار» ليجر قوافل الغزو إلى مضارب الاعداء. وينتشر عند بعض قبائل الشمال بعض الأسماء المؤدلجة، مثل: «هلوبه»، وهو اسم مركب لا يلفت النظر، وينطق على طريقة مدينة (سامراء)، وإن كان لا يعطي في ظاهره أي معنى إلاّ انك عند تفكيكه تجد فيه دعوة ذكية للترحيب دائما بها (هلوا بها) أي رحبوا. تناقضات غريبة: «العريان لبيع الملابس» و«الجائع للمواد الغذائية» و«الحافي لتوريد الأحذية» معتقدات خرافية وارتبطت بعض الأسماء بالمعتقدات الخرافية عند الإنسان العربي عموماً، وعرب الجزيرة تحديداً، مثل اعتقادهم أن (ملك الموت) يتجنب قبض أرواح أصحاب الأسماء (الشينة) أي السيئة فانتشرت أسماء «معيوف» حتى يعافه ملك الموت، ومثل ذلك «قنيفذ» و»خنيفس» و»جحيشه»، وأسماء الكلاب والقوارض والحشرات والحيوانات الأخرى التي يعتقدون أن ملك الموت (يتشيم) بمعنى يترفع عنها, ويعتقدون أيضاً ان مثل هذه الاسماء (الشينة) عيباً يشوه صورة المولود، ويصد أو يصرف عنه شر عيون العيانين والحساد حتى بعد ما يكبر، وأكثر من يلجأ إلى هذه النوعية من الاسماء من يأتي لهم اطفال فيموتون. أسماء سنة «القراد» و«الجرب» و«السلاق» و«ربيع الدمنة» و«هوشة الرعيان» أحداث وأزمات هناك سبب آخر يجعلهم يربطون الاسم بأحداث ومكان الولادة، وهو تذكر وسهولة احتساب عمره بعد سنوات؛ لانهم اعتادوا سهولة احتساب سنواتهم بأحداثها المعروفة ولا يعتمدون على الارقام؛ فاذا ما اراد احتساب عمر طفلة «حصيبان» الذي ولد سنة الحصبة يتذكر بسهولة تلك السنة، وكل السنوات التي تلتها تتابعا ك»سنة القراد» و»ربيع الدمنة» وعام «الجرب»، و»الفقع» وسنة «السلاق»، و»هوشة الرعيان»!. قطع غيار! وفي فترة الثلاثينات الميلادية ظهرت بعض أسماء ميكانيكية مستوحاة من الالة والتقنية الجديدة التي دخلت البلاد للمرة الأولى مع شركات التنقيب آنذاك، وسمى بعضهم مواليده بأسماء قطع غيار، مثل: «بوجي»، و»حذّاف»، و»طرمبه»، و»بوري»، و»هندل»، و»كارونه»، و»برغي»، و»دربيل». اعتقدوا أن «معيوف» و«قنيفذ» و«خنيفس» و«جحيشة» لا يقبضها «ملك الموت»! توريث الأسماء أسماء بعضها قديم جداً استمرت بالتوريث أثناء ما كان الكثير منا يرغب إحياء اسم أب أو جد فاضل يسمي عليه اسم مولوده، ولكنهم بحق كانوا يظلمونهم أحياناً في أمرين أولهما نوعية الاسم الذي ربما لا يتناسب وزمنه الحاضر، والأمر الآخر انك تضعه -أي صاحب الاسم المستنسخ- في ميزان المقارنة مع رجل ربما يكون عملاقاً، وصاحب تاريخ في أي مجال من مجالات الحياة.. رجل علم أو فارس أو شيخ قبيلة يولد في ظروف غير ظروفه وزمن غير زمنه. أبو تالا! وفي السنوات الاخيرة دخلت أسماء تركية ويونانية وعربية بعضها غير مستساغ ويصعب نطق بعضها.. تداخلت أو اصطدمت مع اسماء قديمة ما زال اصحابها يعيشون بيننا؛ فشقيقي «حسن» لم يتمكن من حفظ اسم ابنة صديقة «أبو تالا»؛ إلاّ بعد ما أعاده إلى أصله، وسأل «محمد» ماذا يعني اسم «تالا» في الفصحى فدله أن معناه (النخلة الصغيرة)، ومن ذلك الحين اتفق معه على أن يناديه كلما نسي اسم «تالا» ب»أبو النخلة الصغيرة» لكن «حسن» تورط باسم طويل مركب من جملتين لا يصلح ان يكون نداء؛ عندما اكتفى ب(النخلة) فقط، وصار في نهاية الأمر ينادية «أبو النخلة» التي تقبلها «محمد» إلى أن اصبح الثاني ينطقها بغلاظة القرويين الاقحاح! تناقض غريب! أسماء والقاب كثيرة لأسر وعوائل في المجتمع العربي عموماً حددها الأوائل حتى وان بدت غريبة وغير مستساغة في ظاهرها، إلاّ أن الكثير منها ظل معطراً بسير ومآثر الرجال الأفذاذ؛ فظلت هذه الأسماء محل فخر واعتزاز من جاء بعدهم حتى يومنا هذا، ويرفضون التخلي عنها وهي تستمد رفعتها من طيب خصال وأفعال أولئك الرجال ممن سبقهم سواء في البذل أو الشجاعة أو سمو الخلق؛ فكان الاسم بمثل هذه الحالات يتجه دائماً إلى الموصوف مباشرة وليس إلى الأصل، ووجدت هذه الأسماء والألقاب من يتمسك بها ويصر عليها وعلى بقائها، رافضاً التنازل عنها، بل إن هناك من مارس نشاطاً تجارياً يتناقض وينفي الاسم بمعناه المباشرة؛ لتجد من أبرزها تجارياً بمتناقضات ظريفة حتى انه من الممكن وأنت تتجول في أسواق مثل سوق الشيوخ ببغداد، أو الحميدية بدمشق، أو في شوارع احدى عواصم الخليج ان تتوقف امام لوحات تجارية تطل من على واجهات بعض المباني الشامخة تحمل عبارات ربطت بالأسماء، ونقيضها مثل (العريان لتوريد الملابس)، و(الجائع لتوزيع المواد الغذائية)، و(شركة الحافي لتوريد الأحذية)، و(مركز الوجعان للطب الباطني)!. قصة «فريديس»! تأتي حكاية الرجل الشمالي «فريديس» عندما كان ينتظر دوره عند شباك أحد الخدمات الحكومية، حيث يجلس خلفه شاب ينادي بالأسماء، لكن «فريديس» لاحظ أنه تأخر كثيراً، وأن هناك من جاء بعده ونودي على اسمه، وكادت تنقضي ساعات الدوام دون أن ينادى عليه, عندها خرج الشيخ «فريديس» من طوره، ورفع صوته على الشاب عند شباك الاستقبال محتجاً، واكتشف الشاب في نهاية الأمر أنه نادى عليه في وقت مبكر، وكرر ذلك عدة مرات لكنه كان يقرأ الاسم بطريقة تشريحية الاستاذ ( فريد.. يس ) أو فريد بن ياسين!.