تداولت الفضائيات شريط فيديو لعناصر من قوات القذافي ، وهي تلقي القبض على بعض الثوار ، وتكتف أيديهم ، وتعصب أعينهم ، وتجبرهم بواسطة الضرب بأعقاب البنادق على ترديد عبارة (الله ومعمر وليبيا وبس) ، الآن لم يعد هنالك معمر بعد أن سقط هذا الوثن فيما يبدو ، لكن المشهد ذاته تكرر في إحدى المدن السورية .. حيث يقوم عدد من جنود النظام بإجبار بعض المقبوض عليهم من المتظاهرين بعد عصب أعينهم وتكتيف أيديهم خلف ظهورهم في أحد الباصات بترديد عبارة (الله وبشار وسوريا وبس) وركلهم بالأحذية العسكرية ، ونتف شعورهم , ولا أعرف ما إذا كان ربط هذه الزعامات بالله سبحانه وتعالى ، وهي التي تساوم كما تدعي في تنازلاتها تحت ضغط شوارعها على تداول السلطة .. يحمل معنى ما ولو ضمنيا من معاني الديمومة .. التي هي بلا شك إحدى صفات الخالق عز وجل. أكثر الناس سذاجة يدرك أن الحب عاطفة سامية .. عصية على التزييف ، وهؤلاء الجنود الذين يتوهمون أن ترديد اسم الرئيس من قبل خصومه بمثل هذا التبجيل الذي يربطه بالله بواو العطف .. سيكون كافيا للسيطرة على هذه العاطفة ، وإذلال صاحبها ، وينسون أن الله يقبل حتى الكفر ممن أجبر عليه وقلبه مطمئن بالإيمان .. فكيف بمن يطلب منه أن يحب جلاده بعبارة رخيصة .. لا تزيد من يرددها تحت التهديد والقمع إلا كفراً بهذه السلطات التي تعتقد كما يبوح خطابها الضمني بربطها بلفظ الجلالة أن لها صفة الخلود .. حتى وإن بنت حضورها على جماجم أبناء شعبها ، واختطاف لقمته وكرامته. هذا النوع من الحب القسري على طريقة الانقلابيين ، وأنا أصر على التفريق ما بين الأنظمة الانقلابية، والأنظمة الثورية .. هو نتيجة شعور الانقلابيين بأن ما حازوه بانقلاباتهم هو حق مكتسب .. يملّكهم السلطة .. مثلما يملّكهم الثروة ، ويعتقدون أن من حقهم أيضا أن يتملكوا عاطفة الحب .. ليحبهم الناس وإن قتلوهم وسحقوهم وسحلوهم ، ولنتمكن من حساب هذا الفارق الدقيق بين الانقلابيين والثوريين .. لننصت قليلا إلى خطاب هذا الثائر الحقيقي .. المستشار مصطفى عبدالجليل .. هذا الرجل الذي هدد بالاستقالة من رئاسة المجلس الانتقالي فور حدوث ملابسات اغتيال عبدالفتاح يونس ، وإصراره على هذا الموقف إن انزلقت الثورة باتجاه التصفيات والاقتصاص دون محاكمات عادلة .. هذا الرجل الذي يبدو أنه يقتفي أثر عبدالرحمن سوار الذهب ، وليبولد سنغور ، والزعيم نيلسون مانديلا .. فيما يتصل بزهده في السلطة .. هو من يطلب من الليبيين اليوم ألا يحبوه لشخصه ، وهو الذي جمع كل الفرقاء تحت لوائه لتخليص الشعب الليبي من حماقات الزعيم الخالد ، وقد فعل ، وإنما يريد منهم أن يحبوا بعضهم ، وأن يتخلصوا من تركة الضغائن التي تركها حكم العقود الأربعة ، وهذا هو الفارق بين الحب على طريقة الانقلابيين الذين يتوهمون أن من حقهم احتلال البلاد وأهلها حتى نبض قلوبهم ، والثوريين الذين أحبوا شعوبهم فأخذتهم الحمية لاسترداد كرامتها وحقها في الحياة.