في المقال الماضي قدمت نبذة بسيطة عن الهاجس الأمني وحقوق الإنسان ، ولكن عندما نتكلم عن العموميات في الهاجس الأمني ، وحقوق الإنسان ، لابد أن نعرف أن هناك تراكمات مسببة لتشكيل هذا الهاجس ، خاصة لدى العاملين في المجال الأمني.. وبالأخص عندما يأخذون بالاعتبار تجارب الدول الأخرى .. أما الحالات الفردية قد لا تمثل للمهتمين بحقوق الإنسان أزمة، ويتعاملون معها كحالات ينطلقون منها للرصد والمتابعة ، لكن ما يهمهم أن يُتصدى للحالات هذه حتى لا تستفحل وتكون ظاهرة وسمة، وهذا ما يسبب صداعاً للطرف الآخر . الخبراء الأمنيون رددوا أن مهمتهم ليست بالسهلة ، فبسبب هذا الهاجس ، يرون ضرورة مراقبة أجهزة الاتصالات ، وبعضها يحجب المواقع، والبعض الآخر أشد تشدداً لدرجة منع المواقع الاجتماعية ، الفيس بوك ، اليوتيوب والتوتير. نعود لكاميرون رئيس وزراء بريطانيا وآخر تصريح له ؛ حيث سيُخضع البلاك بيرى ومواقع الاتصال الاجتماعي للرقابة .. الذي ذكرني بمؤتمر حضرته في القاهرة عن الحق في المعلومة ، تطرق خلاله باحث عربي لبعض الدول العربية وعن مراقبتها البلاك بيري ، ومن بينها الإمارات العربية المتحدة التي كانت تعد مشروعا لذلك، وكان دم محمد المبحوح القيادي في حماس ، لازال ساخنا ، وكنا نرى أن تصرفها طبيعي كدولة تحمي أمنها ، وكيانها (للأسف حتى تاريخه لم نسمع عن محاكمات بحق المجرمين). إذا كان فقهاء حقوق الإنسان يرون الحق في المعلومة عاما غير مقيد ، ويرى الخبراء الأمنيون أن حق الأمن مقدم على الحق في المعلومة، وأن منع المعلومة لما يرونه أسبابا أمنية أهم من غضب الحقوقيين.. رغم ما يردد عن قرار رقم (59 ) الصادر في 1946 من الجمعية العمومية للأمم المتحدة في جلستها الأولى والذي يتيح المعلومة ونصه ( إن حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي للإنسان وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأممالمتحدة)، وواجب الالتزام به. هناك دول تمنع نشر معلومات عن أراضيها ، بل إن مؤشر جوجل ، الذي يجعل المعلومات تدور عبر العالم ، يتوقف عند دول بذاتها مثلا نرى إسرائيل تمنع نشر معلومات تخص الأراضي الفلسطينية المغتصبة منذ 48 ، وما تلاها مما هو تحت تصرفها .. إلا ما يخرج عبر الإعلام من خلال الأخبار .. بينما تستطيع أن تعرف حركة السير في شوارع أغلب العالم بما فيها أكثرها غنى أو أقلها.. الحق في المعلومة هو مثل الحق بالحرية ، فالحرية لا تعني الانفلات ، إنما تعني التقنين ، وهذا التقنين يعني ألا يتاح شيء من أسرار الدولة العسكرية أو الأمنية .. ولكن هناك معلومات يجب توفرها للبعض دون العموم ، وهي كثيرة ومتنوعة خاصة ما يمس مجموعة دون أخرى، أو أسراً بذاتها .. وقد يعد النشر تشهيرا. الحق في معرفة الخطط الوطنية ، سواء في داخل الوطن أو خارجه ، ولعل الداخل أهم مثلا الخطط الوطنية للتعليم والابتعاث ، ومن ثم تطوير المجتمع عبر خطط واضحة ، الخطط الكبيرة والتي لها ميزانيات ضخمة ، خطط البلدية ككل فتح الشوارع أو عمل الحدائق العامة ، وكل ما يتعلق بالبلدية وميزانيتها ، وشفافية الطرح وإتاحة الفرص أمام الجميع عند إرساء المناقصات ، ونشر التطور في المشاريع عبر المواقع الخاصة بالجهة ، بحيث لا يكون هناك مجال للفساد .. أو التأثير على الحياة المدنية الاعتيادية. الحق في المعلومة هو حق عام لأمور كثيرة تمس الحياة العامة العادية وطريقة جعلها أكثر متعة وراحة مع الحفاظ على كرامة الفرد والمجتمع . ولكن الأمر المؤلم عندما تتصادم المعلومة مع الإشاعة ؛ حيث انتشار الإشاعة وكأنها معلومة حقيقية . ما قد يساعد لكبت المعلومة الحقيقية أو التغطية عليها .. ولازلنا مع الهاجس الأمني وحقوق الإنسان..