غيب الموت الرمز والرائد الرياضي شيخ الرياضيين عبدالرحمن بن سعيد - عليه رحمة الله - بعد معاناة عاش خلالها بين فترة وأخرى متنقلاً بين المشفى ومنزله محتسباً ومترقباً المغفرة والرحمة وهو شأن المسلم المحتسب الراضي بقضاء الله وقدره وبعد أن تلقيت الخبر المؤلم كان في خاطري تلك الأيام التي عشتها وذكرياتها الحلوة والمرة وهي التي يتمتع بها عموم الرياضيين مع تلك النتائج المتقلبة بين ترح وحزن وكنت أنوي الكتابة عن هذا الإنسان في عدة مقالات لولا أن زميلي الأستاذ عايض الحربي القراء طلب مني الحديث عن هذا الشيخ وقال لي بالحرف الواحد: أنت الذي عايشت هذا الرمز وعاصرته سنوات طوالا ولا أشك لحظة واحدة ان هذا شرف عظيم لي أن أحظى بهذه المهمة - اخذتني الذاكرة للعام 1375ه عندما تعرفت على هذا الإنسان صاحب المواقف والعطاء الإنساني الذي تجلى في سخائه الجزيل لكل من حواليه في عدة مواقف يصعب عليّ وعلى غيري حصرها في هذه العجالة فهي تحتاج إلى مجلدات لتدون فيها ما بذله للرياضة والرياضيين ولجميع أصدقائه ومعارفه فهو إنسان بكل ما تحمله هذه المفردة من قيمة ومعان سامية. فهو صاحب ديوانية يرتادها كل الرياضيين بمختلف ميولهم واتجاهاتهم ولهذه الديوانية تاريخ امتد لأكثر من ستين سنة. ففي ليلة الجمعة خاصة من كل اسبوع يأتي إليه الكثير من الرياضيين ويتناولون طعام العشاء كعادة دائمة ويتجاذبون أطراف الأحاديث المختلفة الرياضية والاجتماعية والأدبية وخاصة الرياضية وحاضرها ومستقبلها. هناك أشخاص خدمتهم الرياضة دون أن يقدموا ريالاً واحداً والفقيد أعطاها ماله وفكره * قد لا يعرف البعض ان شيخنا كان لاعباً مميزاً مثل المنتخب الذي لعب أمام الجزائر عام 1378ه ضمن تلك التشكيلة التي فازت بهدف من ركلة جزاء سجلها اللاعب سيف الدولة مصري الجنسية والمدرس للتربية الرياضية في معهد الأنجال آنذاك وهو الذي سعى جاهداً لحضور الملك سعود عليه -رحمه الله- يرعى تلك المناسبة وفعلاً تم حضوره وقدم لنا ساعت (أوميغا) عليها صورة جلالته وقد كنت ضمن اللاعبين. * شيخنا - رحمه الله - يحب المواقف الظريفة النظيفة ففي عام 1376ه عندما كان رئيساً لنادي الشباب وبينما كنا في مقر النادي في حوطة خالد المجاور للمقبرة القريبة من شارع الوزير الآن إذ كان ذلك الكهربائي يضع على الحائط الصيني تلك النجفة الكهربائية وكان بين الحاضرين رجل صديق لنا جميعاً طيب القلب تخفى عليه كثير من الأمور حيث قال - رحمه الله - بسرعة لفظية ما تشوفون ان البراد جانا الآن، قال ذلك الرجل الطيب، فعلاً يابومساعد جانا البراد الله يكثر خيرك. مثل المنتخب السعودي أمام الجزائر وطلب من الملك سعود رعاية المباراة * من المواقف الإنسانية التي أذكرها بأمانة حيث سألني ذات مرة عن لاعب في الهلال ابتعد عن ممارسة الكرة فأخبرته بوضعه المأساوي فبادر - رحمه الله - بمكالمته وأعطاه حاجته واستمر في مده سنوياً. * في ساحتنا الرياضية هناك أشخاص كسبوا شهرة دون أن يصرفوا ريالاً واحداً وهم من خدمتهم الرياضة تعرفهم جيداً. شيخنا غفر الله له، رأس الكثير من الأندية أسسها وأشرف عليها وصرف ماله في سبيل نشأة الرياضة في كثير من مدن المملكة وصرف ماله وبذل كل جهده وسخر فكره الناضج لخدمة رياضة الوطن. * إن البعض يطالب بوضع اسمه على احدى الصالات أو ملاعب الهلال وفي رأيي انه يستحق أكثر من ذلك، إذ لابد أن تكرمه الدولة ممثلة في جهاز الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتخليد ذكراه على أحد الملاعب السعودية أو الكليات الرياضية وبعض الشوارع القريبة من المرافق الرياضية وهذا أقل ما يقدم لهذا الرائد والرمز الكبير وعند غيري الكثير من الآراء. * اذكر جيداً ان والده - رحمه الله - قال من يبشرني بأن عبدالرحمن تخلى عن الكورة فله مني سيارة وفي تلك الحقبة من يملك السيارة فإنه يملك الشيء الكثير. * مما أعرفه عنه والله شاهد على ذلك انه يراقب كل ابنائه وزملائه وأصدقائه في أداء الواجبات الدينية وكذلك سلوكهم وقد كان (عراباً) مخلصاً للجميع فقد باع أحد بيوته في عام 1376ه بمبلغ وقدره ستة وعشرون ألف ريال وصرفها على النادي ولك أن تتصور هذا المبلغ في ذلك الزمان. * حقيقة انني عاجز مهما كان لدي من خلفية عن هذا الإنسان عن سرد مآثره وأفضاله التي لاتحصى. * تحدثت معه كثيراً عن التاريخ الرياضي في كتابه الذي كان على وشك طبعه واخراجه حيث قال لي انني توقفت عن اخراجه بسبب ان أحداً طلب مني حذف الصفحات التاريخية الموثقة والتي ترمز عن عطاء من يراد حذف اسمه إلا انه رفض رفضاً قاطعاً وقال لا يمكن ان اتخلى عن تدوين تلك العطاءات الجزيلة لأن التاريخ لا يموت. وفي هذا المؤلف الذي اطلعت عليه مرات عدة كل شيء عن الرياضة وأشياء لم يذكرها كل المؤرخين الرياضيين. * عفواً أعلن عجزي الكلي عن ذكر كل ما قدمه هذا الرجل ما ذكرته قليل من كثير وربما غيري أقدر مني. * رحمك الله يا أبومساعد وأسكنك فسيح جناته وألهم أسرة آل سعيد جميعاً الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).