هناك عادات وتقاليد لكل شعب من الشعوب، عادات تشكل في نهاية المطاف جزءاً مهماً من صفات هذا الشعب أو ذاك، حتى لتغدو مع الزمن اشبه بالهوية التي يمتلكها المجتمع وتصبح سمة من سماته، يتميز بها عن غيره، والعادات كما نعلم لا تأتي دفعة واحدة وإنما هي مسألة تراكمية يلعب في تكوينها العديد من العوامل، الموضوعية او الذاتية ، وقد تكون عادات إيجابية ،مثل الكرم والشجاعة والقيم عند العرب والمسلمين، لكن هناك بالتأكيد الكثير من العادات التي قد نتعودها لا تمت للإيجابية بصلة، فنمارسها باستمرار بما يشبه الإدمان من دون أن نعي مخاطرها أو الأضرار التي تتركها ليس علينا فقط وإنما على مجتمعاتنا لتصبح سبة. ولعل ابرز هذه العادات التي نتكلم عنها والتي لا يمكن وضعها إلا في خانة العادات السيئة والمضرة، هي تلك العادات التي أصبحنا نلاحظها في مجتمعنا السعودي في السنوات الأخيرة، والتي تتربع عادة السهر طويلا حتى ساعات متأخرة من الليل على رأسها، حيث استبدل البعض ليلهم بنهارهم، واصبحوا مع مرور الأيام ينامون نهارا اليوم كله ، او يتحركون ملبدي الحس فاقدي النشاط والحيوية، يغلب عليهم الخمول والكسل والنعاس الدائم، هذا ان استطاعوا ان يستيقظوا صباحا كما يفترض في الحالات الطبيعية. ذلك ان ناموس الفطرة التي فطرنا عليها الله عز وجل تقضي ان نخلد للنوم ليلا لطلب الرزق في النهار، باعتبار ان الله عز وجل جعل النهار معاشا، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً) وبذلك يرغّب الله تعالى لعباده بالنوم المبكر و الاستيقاظ منذ الفجر وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ( بورك لأمتي في بكورها).. وقال تعالى ( وجعلنا الليل سباتا وجعلنا النهار معاشا).. والحقيقة المؤلمة ان ما قادنا لطرق هذا الموضوع ليس الرغبة في التذكير بأهمية النوم للصحة الجسدية والنفسية، لان ذلك من اختصاص غيرنا وهم الاطباء ، لكن ما دفعنا الى الاهتمام بهذه الظاهرة الغريبة في الحقيقة هو حجم الضرر الذي تحمله معها على المجتمع والفرد على حد سواء، اذ ليس من المقبول بأي حال من الاحوال ان نتفهم حالة سهر احدنا طوال الليل، ليأتي الى عمله في الصباح نصف نائم ومنهك القوى عاجزاً عن القيام بواجباته المنوطة به والتعامل مع الآخرين، والتي تشكل جزءا ً من النشاط والعمل المجتمعي العام. والحقيقة ان انتشار ظاهرة السهر الطويل وتحديدا في مدينة الرياض، والذي اصبح يوصف أهلها بعادات أهل الرياض الذي (يسهرون ليلا وينامون نهارا)، وفطورهم الصباحي الساعة 12 ظهرا ويتناولون الغداء بعد العصر، ويتناولون العشاء متأخرا في الأيام العادية في غير شهر رمضان! باتت هذه الظاهرة تشكل ما يشبه المرض العادة المستشرية، في ظل انتشارها الواسع ، مع ما تمثله من خسائر على المستويين الفردي والاجتماعي، فمن الناحية الفردية بالتأكيد هناك الكثير من السلبيات التي قد يصعب حصرها، لكن الاخطر طبعا هو التأثير المجتمعي،حيث تؤثر هذه الظاهرة السلبية على الطاقة الانتاجية للمجتمع، وتدني قوة الانتاج وحجمه، وهذا بالتأكيد يترك جل الاثر على الاقتصاد الوطني، الذي ينتظرنا دائما للعمل من أجل تقويته وتعزيزه لضمان مستقبلنا ومستقبل أجيالنا اذن كيف يمكن ان نتصور مجتمعا قادرا على الانتاج والعطاء والإبداع، في الوقت الذي يستهلك معظم افراده جل نهارهم نوماً؟!. ثم كيف لمسؤول يستطيع ان ينتج في نهاره أو موظف في وظيفته ، وقد استهلك جل طاقته خلال الليل في أمور كثيرة، كمتابعة التلفاز في الاستراحة او المنزل او الثرثرة في الجوال ولعبة الكوت او ما شابه من مضيعة الوقت، وما ذنب المواطن االذي يأتي لانهاء معاملة ما ، كي ينفق جزءاً من وقته لكي يصحو صديقنا الموظف الساهر ليلا من إغفاءته القسرية ؟ أليس من الضروري محاسبة ذلك النائم، عله يصحو من إغفاءته، ويعرف ان للوطن حقاً عليه، وان مكان الوظيفة ليس مصحة نفسية او استراحة للنوم ؟ اسئلة كثيرة وكثيرة جدا تفرض نفسها ونحن نتكلم عن تلك الظاهرة الغريبة وغير المحببة التي غزت شبابنا وبناتنا في هذه الايام، حتى غدت الظاهرة الابرز التي يلاحظها ليس ابناء البلد فحسب وانما كل من له مصلحة او علاقة ما في بلادنا،حتى ان احدهم قال لي انه لا يفكر حتى بمهاتفة أحد قبل الرابعة او الخامسة مساء سواء في رمضان أو غيره، انه لامر فعلا عجيب، خاصة وان هؤلاء انفسهم تجدهم يعملون بانتظام وباكرا عندما يكونون خارج بلادهم، مما يسلط الضوء عليهم كمنتجين ومبدعين، ورجال اعمال ناجحين، أليس في ذلك منتهى الغرابة؟ ان معالجة مثل هذه الظاهرة الغريبة والطارئة على مجتمعاتنا يجب ان تكون من اولى أولويات اصحاب القرار والشأن والتخصص ، لان ترك الامور هكذا من دون حل وترك الحبل على الغارب للنائمين والكسالى والخاملين من شأنه ان يلحق الأذى والضرر ليس بهم وحدهم وانما بالمجتمع ايضاً، ويكفي فقط ان نتخيل انه لو اهدر كل منا ساعة واحدة نوما في العمل، كم من الوقت نكون قد اهدرنا في العام على مستوى الوطن؟! * المدير الإقليمي لمكتب دبي