هل منطقتنا العربية هي الأسوأ عالمياً عندما عاشت عسف التاريخ من حكومات أذلّت العلماء، وبطشت بالمواطنين، ثم السلسلة الطويلة من حكم الاستعمار إلى الانقلابات التي تحولت إلى دكتاتوريات أقسى من الحكم الأجنبي، ثم الحروب الرسمية والأهلية، ووصول الانشقاقات إلى الذبح على الهوية، أي انتقام الشيعي من السني، والعكس، والقومي مع الشيوعي، والبعثي مع الناصري، والإسلامي الذي يضع الجميع في حلقة الكفر؟ كلّ الأمم مرت بظروف مماثلة لنا لكنها اختلفت من حيث اختيار مسارها عندما أنهت أوروبا هيمنة الكنيسة، وبدأت مشروعها السياسي والعلمي والاقتصادي بإيجاد نهضة كبرى أسست للعالم أقوى نهضة في الكشوف الجغرافية والعلمية والدستورية.. حاضرُ العالم ليس بالصورة الجيدة فمواجهة التزايد السكاني، وتلوث كوكب الأرض، والتمايز بين الأغنياء واتساع قاعدة الفقراء، وهموم الطاقة في المستقبل البعيد، تجعل الشراكة في الأزمات واحدة، وهي قضايا لايمكن أن تحل بالوعود الكاذبة طالما المهيمنون على القوة هم من يدفعون بالأمور إلى ظروف قد تغير مسار الحياة البشرية كلها.. فأوروبا وأمريكا اكتشفتا أن سياساتهما الاقتصادية بدأت تتجه نحو المآزق، وأن نمو العنصرية، والخلل في الطبقات الاجتماعية في تفاوت الدخول أثارا نزعة الانتقام في بريطانيا، وخلقا عند الألمان الذين يتحملون فاتورة العجز عن دفع الديون في بعض الدول الأوروبية لغطاً في الشارع الألماني، وهناك من يرى الواقع بنظرة شؤم لأن الإصلاحات تحتاج إلى أزمنة طويلة.. وفي أمريكا هناك سياسات تتقاطع، وأهداف تتوزع عندما يحتدم الصراع بين الحزبين الرئيسيين على من يكسب كرسي الرئاسة القادمة، وكأن حلول الأزمة الاقتصادية معلقة على المنقذ المجهول، وحتى اليابان التي ضربها تسونامي وأدى إلى تسرب الإشعاعات من المفاعلات النووية فإنه خلق رعباً عالمياً، لأن بلداً متقدماً جداً لم يعمل على درء المخاطر، وهو المعرّض للزلازل، أوجد قناعة عامة بأن هذه الطاقة خطيرة جداً، وقد تكون سلبياتها أقوى من إيجابياتها.. صحيحٌ أن هناك دولاً في آسيا وأمريكا الجنوبية بدأت تتجه نحو الانتعاش، وأنها قد تكون قاعدة القوة القادمة، ولأن العولمة غيّرت المفاهيم التقليدية وبدأت تطرح سلوكاً جديداً، أي تداخل المصالح بين الأمم والشعوب، فإن الخلل الذي سيحدث في المؤسسات المالية في الغرب، سينعكس سلباً، على كل العالم بما فيها الدول ذات الاقتصاديات الناشئة.. ونأتي إلى الصراعات السياسية والدينية والحروب وبروز عوامل الانقسامات الفئوية والطائفية، وطغيان فكرة العزلة عن العالم لأمريكا، والانسحاب من بؤر التوتر، وتزايد أعمار السكان الأوروبيين واليابانيين، والهجرات العالمية من بلدان الفقراء للأغنياء فإن هذه الأمور تبعث ذعراً جديداً، وتصوراً متشائماً.. لكن بالمقابل هناك من يرى أن مخزون العقل البشري، وعبقرية الإنسان قادران على الابتكارات، والتحول للحصول على طاقات بديلة وتقليل معدلات الفقر والنزاعات العسكرية، لأن وسائل البحث المتطورة لديها الجواب في حماية سكان هذا الكوكب، والباعث على هذا التفاؤل أن البشرية مرت بأطوار أسوأ من الحاضر واستطاعت تجاوزها، لكننا في مفترق الطرق سوف تكون التحديات هائلة وامتحاناً أكبر لكل سكان هذا الكوكب..