العنوان قد يكون غير منطقي عند النظر إليه من الوهلة الأولى! لكن المطلع على ميزانيات الدولة خلال الأعوام الماضية وما تقدمه من دعم متواصل للقطاع الخيري بشكل خاص يدرك يقينا حجم الاهتمام والعناية بالإنسان السعودي أينما كان وكيفما كانت حالته الاجتماعية والاقتصادية.. المبالغ التي صرفت ولا زالت تصرف تمثل رقما عاليا جدا يقدر بمليارات الريالات وربما يندر أن يوجد مثيل له في معظم دول العالم عند النظر إليه مقرونا بعدد المستفيدين منه.. هذا الصرف الكريم الجزل.. وهذا الدعم السخي غير المحدود سواء الثابت عبر أنظمة الضمان الاجتماعي أو الوقتي والمبادراتي من خلال توجيهات ولاة الأمر بين وقت وآخر حفظهم الله جميعا سواء ما يتم تقديمه للفرد السعودي ذي الحاجة بشكل مباشر أو من خلال الجهات الراعية والداعمة له كالجمعيات الخيرية المنتشرة في وطننا العزيز يمثل في نظري مشهدا من مشاهد الخير والعطاء في وطن أسس على الخير وبنيت ثوابته وقيمه على هذا الفضل الذي أصبح سمة مجتمعية، لكنني أظن وأمام هذه الأرقام الضخمة أن من المهم جدا بحث أو التساؤل حول إمكانية ما يؤمن لها الديمومة والاستمرار والاستقرار، ولعل التجارب الناجحة التي بدأتها جهات العمل الخيري من مؤسسات وجمعيات خيرية وطنية من خلال تبنيها لأوقاف خيرية يتم الاستفادة من ريعها للصرف على أنشطة وبرامج تلك الجمعيات مما يقلل من حجم الحاجة المستمرة لسؤال الناس يعد محفزا جدا للحكومة لدراسة فكرة الشروع في تأسيس أوقاف خيرية تابعة للدولة يستفاد من إيراداتها في مساندة جهود الدولة للصرف على الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة كمرحلة أولى عوضا عن الصرف المباشر من ميزانية الدولة ولذلك ما يبرره ويزيد من جدوى تحقيقه من خلال التالي: أولا: تأسيس هيئة عامة للأوقاف الحكومية تكون مهمتها العمل على دراسة مجالات وفرص الاستثمار المحلي والعمل على الشروع في استثمار المبالغ المالية التي يتم تخصيصها لها سنوياً من ميزانية الدولة لمدة خمس سنوات على سبيل المثال، كما يمكن في البداية تقديم مبلغ مالي ضخم لمرة واحدة يخصص لصالح مشروع الأوقاف الحكومية (الفرع الاجتماعي) بحيث تخصص تلك الأوقاف لدعم وزارة الشئون الاجتماعية في مجالات مساندة الجهات الخيرية وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية التي تعمل الوزارة على تحقيقها. ثانيا: دراسة الهيئة للاحتياجات الوطنية ذات الأولوية الملحة لتساهم في معالجتها وطنياً وتحقق من خلال تلك المعالجة استثمارات مالية لتلك الأوقاف. فقد يكون من المناسب مثلاً ونحن نعاني من مشكلة إسكانية وطنية أن تكون استثمارات الهيئة المذكورة في مجالات تشييد الوحدات السكنية، وبهذا يحقق الوطن فائدتين في وقت واحد حيث تتم معالجة نقص الوحدات السكنية في المملكة إضافة إلى أن تكون أحد المصادر الاستثمارية الآمنة للهيئة المذكورة. كما يمكن أن تعمل الهيئة على تأسيس شركات وطنية تساهم في خدمة المواطن أيضاً كإنشاء شركة وطنية للتموين الغذائي (سبق أن تم طرح هذه الفكرة في مقال سابق في هذه الزاوية)، حيث يتم ضمان وتحقيق الأمن الغذائي الوطني إضافة إلى تحقيق مجالات استثمارية في الهيئة المذكورة. ثالثاً:يمكن عند الحاجة ولوج الهيئة في استثمارات إقليمية أو دولية بعد أن يتم الاكتفاء من الفرص الاستثمارية المتاحة داخل الوطن. رابعاً:بعد تحقيق الهيئة لنجاح في أدائها فيما يتعلق بالفرع الاجتماعي يمكن أني يضاف لذلك فرع آخر يتعلق بالشؤون الإسلامية كبناء المساجد والصرف على تشغيلها وجهود الدعوة الإسلامية المحلية (توعية الجاليات) وما شابه ذلك. خامساً:يتاح للشركات والأفراد من داخل الوطن وكذلك شركات الاستثمار الأجنبي تقديم دعم لهذه الهيئة في فروعها المختلفة. أجزم أنّ مثل هذا التوجه سيحقق نقلة وحراكاً اقتصادياً وطنياً أولاً كما سيؤدي إلى دعم جهود التنمية الاجتماعية التي يقودها الوطن. وكذلك ضمان الديمومة والاستقرار لدعم "الفئات الهشة" والجهات القائمة على خدمتها ومساندتها وكذلك جهود العمل الإسلامي المحلي.. فهل تقوم الجهات الحكومية المعنية بدراسة مثل هذه الفكرة، وهل نتوقع في قادم الأيام أن يكون لمعظم قطاعاتنا الحكومية ما يضمن لها الدعم والمساندة المستمرة من خلال فكرة وبرنامج الأوقاف الحكومية بدلاً من هذه الميزانيات الضخمة التي يتم تخصيصها كل عام وتتقلب أرقامها وتتغير حسب الظروف العالمية.. إنها فكرة قد تكون جديرة بالدراسة، والرأي لكم.