لا أدري من أين أبدأ وما عساني أقول؟ فلقد صعقني خبر وفاة البارة العفيفة الكريمة الإنسانة التي حباها الله سبحانه مزايا قل أن تجدها لدى غيرها من النساء، ألا وهي الكريمة دنيا وديناً، سلطانة بنت تركي السديري، رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته، ولكن هذا قضاء الله وقدره وسنته في خلقه، وكل نفسٍ ذائقة الموت. ولكن عندما أقول صعقت بخبر وفاتها فإن ذلك لم يأت من فراغ، أو من باب التملق والمجاملة، فأنا قريب منها وأسرتها الكريمة وتربطنا صلة رحم منذ القدم، لقد عرفت عنها - رحمها الله - الإنسانة الخيرة.. وطوال حياتها لم تنشغل بملذات الحياة، ولم يبهرها بهرجتها وملذاتها. وقد أكون صادقاً إن قلت عنها إنها لم تكن معروفة على المستوى المجتمعي والرسمي؛ لأنها - رحمها الله - لا تحب البهرجة والأضواء؛ لكونها تربت تربية إسلامية مبنية على مخافة الله سبحانه في السراء والضراء، وجبلت على حب الخير، ومساعدة الضعفاء والفقراء، متمثلة بقوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا). «فلا تعلم شمالها ما تنفق يمينها». لقد كانت - رحمها الله - مع محبيها وضيوفها هاشة باشة مرحبة لا تجد في نفسها تعالياً أو كبرياء، وهذه الصفات يهبها الله لمن يشاء من عباده، لقد كانت والدتي رحمها الله كثيراً ما تتكلم عن هذه الشخصية الفذة النادر وجودها في زمننا هذا، كان كلام والدتي عنها ليس من باب السماع من الآخرين، بل كانت عن معرفة وطيدة وقريبة منها رحمها الله جميعاً وجمعنا بهم في جنات النعيم برحمته تعالى. لقد كان لزاماً علي، بل واجب علي أن يخط قلمي هذه الكلمات نحوها رحمها الله، ومهما كتبت أو عبرت بما في قلبي فلن أوفيها حقها، ولكن الذي يثلج الصدر ويُهون المصيبة إنها بإذن الله ممن قال الله فيهم: (إن المتقين في جنان ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر)، فهي ولله الحمد من المتقين، فلم تؤذ أحداً، ولم تظلم أحداً، بل هي أم الخير، فهي من العابدات القانتات الحامدات الشاكرات العفيفات. أسأل الله في علاه أن يتقبلها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجعل ما مرت به في مرضها تكفيراً وتطهيراً. لقد مضت رحمها الله ولم تتضجر أو تتألم مما عانته طوال فترة مرضها، بل كانت صابرة محتسبة قانعة بقضاء الله وقدره، وهذه صفة من صفات المؤمنين. ولا أزكيها على الله، أسأل الله جل جلاله أن يغفر لها ويرحمها برحمته إنه هو الغفور الرحيم، وأسأل الله سبحانه أن يلهم والدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وأبناءها الكرام وشقيقتهم الكريمة الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون)، (له ما أعطى وله ما أخذ). (وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين).