انتشار الجوامع والمساجد بوجه عام في أحياء مدن المملكة وقراها يعتبر أكثر من جيد ، حيث يتوزع ما يربو على ستة وسبعين ألف جامع أو مسجد في إجمالي تلك المدن والقرى ، أو ما معدله بيت من بيوت الله لكل مائة وخمسين مصليا تقريباً، وتعود كثافة هذا العدد من الجوامع والمساجد للبذل الذي يقدمه المحسنون من أموالهم في بناء تلك الدور للعبادة، فما تقيمه وزارة الشئون الإسلامية من المساجد يعد قليلاً قياساً بما يبنيه فاعلو الخير في بلادنا ، وفقاً لما يؤكده المسئولون عن شئون هذا القطاع ، والإجراء السائد في عملية بناء هذه الجوامع والمساجد على مدى السنوات الماضية من قبل وزارة الشئون الإسلامية ممثلاً في مديرياتها في المناطق سواء مباشرة أو من خلال فاعلي الخير يتم في الغالب وفق نماذج ذات فئات مختلفة في تصميمها يجري التمشي بموجبها في أعمال التنفيذ في إنشاء تلك الجوامع والمساجد ، بغض النظر عن الظروف الطبيعية للمناطق التي تقام فيها تلك الدور للعباده فما يبنى من نموذج في الرياض يمكن أن يبنى طبقاً له في أبها بمرتفعات عسير ، أو الخفجي على ساحل الخليج العربي ، ويبدو أنه بعد مرور تلك السنوات من التجربة في تبني تلك النماذج ، ومن التباين في المعايير التصميمية ومواصفات التنفيذ للجوامع والمساجد من قبل العديد من فاعلي الخير أدركت وزارة الشئون الإسلامية عدم سلامة المنهج الذي سارت عليه في هذا المجال على مدى العقود الماضية ، يعبر عن ذلك ما نشر في بعض الصحف المحلية عن خبر اعتزام وزارة الشئون الإسلامية وضع كود خاص لبناء المساجد بعد أن تأكد للوزارة حاجتها لإيجاد هذا الكود ليناسب أجواء المملكة ويساعد على إطالة عمر المساجد بعد أن تبين لها ذلك من خلال الخطوات التنفيذية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين لترميم المساجد الذي لقي مؤخراً دعماً من المقام الكريم بمقدار نصف مليار ريال خلاف موارد الأوقاف التي يصرف جزء من ريعها على أعمال الترميم للجوامع والمساجد في المملكة. ما يؤخذ على خطوة الشئون الإسلامية في هذا الشأن ، على الأقل ما يوحي به الخبر الصحفي الذي نشر عن هذا الموضوع ، هو إنفصال وعدم تكامل جهودها في هذا المجال مع ما سبق من جهود بذلت في العناية بهذا الجانب من جهات اختصاص بهذا الموضوع وأعني بذلك كود البناء السعودي الذي تم اعتماده من قبل مقام مجلس الوزراء منذ فترة قريبة وجار العمل على تنفيذ ما تضمنه من اشتراطات ومتطلبات متعلقة بالبناء بوجه عام ومنها بناء المساجد بنوعيها، فكان من الواجب أن تنطلق جهود الشئون الإسلامية في هذا الشأن من معطيات هذا الكود عوضاً عن بذل جهود منفصلة عما هو قائم ومعتمد التمشي به، لا سيما وأن الهدف الذي يرمي إليه كلا الجهدان هو واحد. أما الأمر الآخر فهو قصر الغرض من هذا الكود الذي تعتزم الشئون الإسلامية على وضعه قريباً على أعمال الترميم للجوامع والمساجد القائمة التي تقع ضمن إطار مسئوليتها الإشرافية، وليس التوجه نحو الالتزام باشتراطاته ومتطلباته في أعمال التصميم والتنفيذ والإشراف على بناء الجوامع والمساجد الجديدة سواء التي سوف تبنيها الشئون الإسلامية أو فاعلي الخير. إن كثيرا من الجوامع والمساجد التي بنيت على مدى السنوات الماضية أو التي نراها تبنى في الوقت الحاضر يفتقد العديد منها للعناية بجوانب السلامة والصحة العامة في تصميمها وإنشائها وهما الجانبان الأساسيان اللذان يحرص كود البناء على تحقيق الحد الأدنى المقبول منهما في تلك الدور للعباده بكافة دول العالم من خلال مجموعة من الاشتراطات والمتطلبات التي تفضي إلى ذلك، سواء كان ذلك من ناحية التهوية أو الإنارة أو حماية الأرواح من أخطار الحرائق وغيرها من المخاطر المرتبطة بمنشأة الجامع أو المسجد، فهناك مساجد وإن كانت مؤقتة تقام من الصفيح لا تتوفر بها أبسط وسائل السلامة والصحة العامة، وهناك مساجد تقام من دورين يخصص الدور العلوي منه للنساء في الغالب دون اخذ الاعتبار لحالات الطوارئ وما قد ينتج عن ذلك من فقدان الأرواح نتيجة للازدحام والتدافع، هذا بخلاف أعمال التكييف التي لا يتم التصميم لها مسبقاً في كثير من الأحيان وتنفذ على نحو لا يحقق توفير البيئة الصحية المناسبة للمصلين في العديد من المساجد، كما أن دورات المياه وأماكن الوضوء وتحقيق جانب الصحة العامة في تصميمها وتنفيذها يغفل في كثير من الجوامع والمساجد، هذا بخلاف الاعتماد على الإضاءة الصناعية على مدار اليوم في المساجد وعدم تحقيق الترشيد في استهلاك الطاقة وفق ما تتطلبه اشتراطات ومتطلبات كود البناء، من ذلك يتضح أن كود البناء في هذا المجال لا يمكن تجزئته وقصره على أعمال الترميم فقط وإغفاله عن المراحل التي تسبق ذلك في التصميم والتنفيذ والاشغال.