أنا لا أرجم بالغيب فالمنجمون كاذبون ولو صدقوا ، ولكنني أتبع خطى المنطق والعقل لأخرج بنتائج يقينية أستبق بها هول الحدث. والحدث ضحايا جدد منظورون لموت مؤجل لامحالة ، خاصة أن ذاكرتنا تحتشد بالأسماء البريئة التي قتلها أبوها ، والبريء الذي مزقته زوجة الأب. قياساً على تلك المآسي قد أستطيع أن أضع قائمة لأسماء أطفال ينتظرون دورهم حتى تحين نهايتهم المؤكدة ، ففي مجتمعنا إذا طُلقت المرأة حظيت بحق حضانة الأطفال بشرط أن تبقى وقفاً لاتنطبق عليها شروط الإنسانية ، فليس لها حق أن تكون زوجة لمرة ثانية (وهو حق ممنوح للرجل لأربع مرات عرفاً وشرعاً) . هذا صواب نطبقه ونحن مغمضو العينين، ولايعنينا أن ينتهي ذلك الصواب بخطأ فادح كجريمة قتل الأبرياء ، وكأننا شركاء في تلك الجرائم لتهيئة كل الظروف لوقوعها ، كأننا محرضون أو مسهلون أو شركاء لكننا نتمتع بحصانة عدم المحاسبة طلما الجريمة قبل أن تكون جريمة كانت صواباً أمام العيون المغمضة. لا أحد قبل أن يصدر قرار الصواب الخاطئ يتحلى بقليل من الصبر والتروي ، أو بخلق التوثق من يقين الصواب ، فلا أحد يعنيه أن يأمر بدراسة اجتماعية على يديْ باحثين اجتماعيين، وما أكثرهم لدينا والحمد لله، يدرسون الطرف الثالث المضيّع كل حقوقه في أن يعيش حياة كريمة وآمنة تضمن له السلامة والسكينة ، دراسات اجتماعية تقارن بين ظرف يعيش فيه الأولاد مع الأم لانها تضمن لفلذات الكبد الرعاية، أو يعيشون مع الأب لأنه أكثر قدرة على الإنفاق والتعليم والتربية ، ألسنا نعد هذا النشء رجالا ونساء للغد ؟ في كثير من الأحوال تناصب الزوجة الجديدة أولاد القديمة عداء تؤججه غيرة فطرية من زوجة سابقة ، وكثيرا ما تفلح في إيغار صدر الأب حتى يصل به الأمر ربما إلى قتل الأولاد ، أولاده الذين هم من صلبه ، إرضاء لزوجة حقودة وتافهة .. فطبيعة الوجود الإنساني هذه التي تخرج به عن كل فئات الوجود من الحيوان إلى الشيطان لكن هذا هو ما حدث وما هو مرشح لتكرار الحدوث وما نغمض العيون عنه بزعم أنه الصواب بكل خطئه محجمين عن صوابه الخطأ. في كل بلاد الدنيا الدراسات الاجتماعية جزء من أسس الحكم ، والقوانين تشدد عليها ، وفي كثير من الأحيان يمنح حق الحضانة للجدة من الأم أو من الأب لأن كلا الطرفين- الزوج السابق أو الزوجة السابقة - لا يصلح لرعاية الأطفال وهي حالة لم تحدث لدينا إلا نادرا وبظروف مشددة ، وحتى هكذا لا بأس كي نصادر قتل الأبرياء . في زمننا الحديث ، وفي عصرنا الناهض ، الذي استفاد بكل معطيات المنجز الحضاري الإنساني من كل بلاد الدنيا ، ما نزال جالسين نتلهى بالحوار والنقاش حول موضوع جعلناه مضغة للقلم : المرأة السعودية ، هل يجوز أن تعمل في البيوت لكسب الرزق أو لا يجوز شرعاً ؟ المرأة هل تقود السيارة أم تقود جملًا ؟ المرأة هل تبيع في محلات الملابس النسائية أم أننا نعرض كرامتها لخطر لا ترضاه الشريعة ؟ المرأة ، المرأة ، ولا نقف متناسين ومتجاهلين عمداً الجوهر الأهم في هذه المضغة أعني حقها الإنساني في وجود خلقها عليه الخالق عز وجل ، واعطاها كل الحقوق التي أنكرتها أعراف متوارثة منذ وأد البنات ! ، وأول هذه الحقوق أن تصير المرأة - كالرجل - زوجة وأما في ذات الوقت دون أن نضع لإشباع تلك الأمومة شرطاً أن تبقى المرأة "وقفاً" على أمومتها، ولا حق لها في الزواج بعد الطلاق إن أرادت الاحتفاظ بأولادها. تعلمنا أنه ليس هناك صواب مطلق لا يقبل الخطأ ، وليس هناك خطأ لا يقبل الصواب ، وإنه دائما هناك وجهة النظر ، وجهة النظر المخالفة ، وكلاهما صحيح ، فإن طبقنا القاعدة لماذا لا نمنح اعتباراً للطرف الثالث المضيع أبداً فحذفه من قوائم انتظار الموت ؟ هل يلحظ القارئ العزيز أن هذا الكلام كله موضوعه براءة الأبرياء الصغار ، وليس هموم المرأة التي أوسعناها ضرباً وكتابة..