من المؤكد أن العادات الغذائية للإنسان تغيرت خلال المئة عام الماضية.. فبعد أن كان يتناول أطعمة قليلة ومحدودة زودته الصناعة الحديثة بآلاف الخيارات التي تعج بها "السوبر ماركات".. وبعد أن كان شح الطعام ودورية المجاعات هي الحقيقية الثابتة في الماضي، أصبحت التخمة والسمنة وأمراض البدانة حتى لدى الطبقات الفقيرة أبرز ما يميز عصرنا الحاضر.. وبالطبع هناك أسباب كثيرة نقلتنا من الشح للوفرة ومن المجاعة للسمنة كرغد العيش وسهولة الاستيراد وميكنة الزراعة وتهجين المحاصيل و و و... ولكن الأهم في نظري هو تحول كل هذا إلى "صناعة" مربحة تبدأ بالاعلانات وحث الناس على الشراء وتنتهي بالمستشفيات وبيع كتب الحمية والريجيم.. وليس أدل على هذه المفارقة من شهر رمضان حيث يفترض انخفاض الأوزان واستهلاك الطعام في حين تثبت الاحصائيات ارتفاع نسبة الشراء والاستهلاك في هذا الشهر بالذات.. أما المفارقة الأخرى فهي أن كتب الطبخ لدينا تأتي في مقدمة الكتب الأكثر مبيعا يليها في المركز الثاني كتب الحمية والريجيم (ويبدو هذا منطقيا كون الناس تشتري كتب الطبخ، فتصاب بالسمنة، فتلجأ لكتب الريجيم، قبل أن تعود لكتب الطبخ مجددا).. وما يبدو لي أن العالم بأكمله تورط في هذه الدائرة المغلقة؛ ففي الولاياتالمتحدة مثلا (وهي أعظم أمة تعاني من السمنة) يطبع كل عام أكثر من 2000 كتاب عن الحمية فقط. وهذه الكتب مجرد جزء من صناعة ريجيمية ضخمة تقدر ب 48 بليون دولار (وهو رقم يفوق ميزانية بعض الدول العربية بخمس مرات) يذهب لعدد هائل من المجلات ودور النشر ومصانع الأغذية والألبسة وآلاف المراكز والمستشفيات ومشروبات الحمية والبرامج التلفزيونية والأجهزة الرياضية و و و... وتعود ضخامة السوق هناك الى حقيقة ان 67% من الشعب الامريكي يعاني من السمنة المفرطة و90% يحاول عمل ريجيم و54% منهم يعتبرون أنفسهم في حالة ريجيم دائم!! وبطبيعة الحال منتجات "الريجيم" تنتشر هذه الأيام في العالم أجمع مما يجعلها صناعة ضخمة تنافس الصناعة الغذائية ذاتها.. ومن أسس الترويج لهذه الصناعة تسويق المرأة النحيفة والرجل الرشيق كنموذج للجمال من خلال الافلام ووسائل الاعلام. وهذا التركيز الإعلامي ساهم في ترسيخ "عقدة الذنب" عند أقل زيادة في الوزن كما ساهم في زيادة أرباح الجهات المستفيدة.. والمشين أكثر، أن صناعة الريجيم تركز على القشور بغرض الكسب دون الاهتمام بلب المشكلة؛ فمراكز التدريب مثلا (وهي جزء من الصناعة) تركز على "الحل الرياضي" وتتجاهل حالات بدانة تعود لأصل وراثي أو خلل غذائي.. كما تتجاهل معظم الكتب الجديدة أن لكل جسم وزنا خاصا يرتاح له ويستقر عنده (وهو ما يفسر لماذا يعود الجسم بسرعة الى وزنه السابق عند ترك الريجيم) ومع هذا تركز على "كيف تفعل ذلك" وليس "كيف تحتفظ بالنتيجة".. ليس هذا فحسب؛ بل من الملاحظ أن الأفكار "الريجيمية" تكرر نفسها دائما ضمن أغلفة ومسميات جديدة.. فقد يظهر ريجيما جديدا يكتسب شهرة واسعة (وبالتالي يحقق أرباحا بالملايين). وبعد فترة يثبت فشله ويُنسى لسنوات طويلة قبل ان يعود للظهور مجددا بعنوان جديد وثوب مختلف فيحصد ملايين أخرى؛ فريجيم الدكتور دنكن مثلا الذي يحظى اليوم بشعبية هائلة صورة مكررة من ريجيم البروتين الذي ابتكره الدكتور ايتكز منذ الستينيات.. وهناك كتاب بعنوان "كل بإفراط وابق رشيقا" حقق 45 مليون دولار كأرباح ولكن الحقيقة هي أن فكرته ظهرت لأول مرة عام 1860 في كتيب صغير نشرته نقابة الحانوتية في لندن (وهدفهم لا يحتاج لشرح)!! على أي حال؛ كيلا تصبح أنت عضوا فعالا في صناعة الريجيم تنبه دائما لهذين المبدأين: الأول: أن من لا يملك إرادة قوية لا تنفع معه أي حمية (في حين تنجح أي حمية حين تتوفر إرادة قوية)!.. والثاني: أن الحمية بطبعها نظام مؤقت يعود بعدها الجسم لوزنه السابق وبالتالي (إنس موضوع الريجيم نهائيا) وتقيد بنظام غذائي صحي متوازن ترضى عنه ويبقى معك طوال العمر.. ورمضان لم ينته بعد..