رمضان هذا العام ينطلق مع الكلمة التاريخية لخادم الحرمين حفظه الله لمناصرة الشعب السوري، فهذه الكلمة لابد أن تحرك الجمود في الموقف العربي من أحداث سوريا، فسوف يتذكر السوريون هذه الكلمة وسوف تكون جزءاً من تاريخ سوريا الحديث .. لعل عبارة "ربيع الثورات العربية"، التي أصبحت جزءاً من ثقافة العالم في مطلع هذا العام، يمكن أن تشكل منعطفاً مهماً في الثقافة السياسية والاجتماعية العربية، ففكرة الثورة تواجه تباطؤ الإصلاح، فهي لا تنتظر القرارات الاصلاحية البطيئة ولا تعترف بالتغيير خطوة خطوة، التي تبنتها الأنظمة العربية خلال العقد الأخير، بل انها تستحث الخطى إلى مستقبل مجهول ربما، لكنه محبب لدى الكثير من المواطنين العرب، لأنه مجهول ينتزعنا من واقع لا يمكن الاستمرار في التعايش معه. والحقيقة أننا أمام عام مختلف على كافة الأصعدة، فنحن نبدأ هذا العام والحراك العربي الثورى على أشده، فهو بحق "رمضان الثورات العربية" فليبيا مازالت بين مد وجزر، بين ثورة سلمية تحولت إلى حرب أهلية طاحنة لا نعلم متى وكيف ستنتهي، واليمن لم تحزم أمرها بعد، بين معارضي ومناصري الرئيس وكل جمعة تحمل هناك شعاراً جديداً جعل من يوم الجمعة رمزاً ثقافياً سياسياً بجانب قيمته الروحية الدينية. أما سوريا فهي تعيش أزمة حقيقية، يتذكر الكثيرون هذه الأيام عام 1982م عندما دك الرئيس حافظ الأسد مدينة حماة، هذه المدينة التي اقتحمها الجيش السوري في الأسبوع الأول في رمضان هذا العام بعد مرور ثلاثين سنة من الجريمة الأولى. نظام الأسد يعيش هذه الأيام أزمة حقيقية، خصوصا بعد كلمة الملك عبدالله التاريخية، لكن دون شك يقف المثقف العربي باستغراب أمام موقف الرئيس بشار، فهذا الشاب لا تبدو عليه الشراسة ولا يتصور أحد أن طبيباً يمكن أن يرتكب مجازر في حق شعبه. هناك خطأ ما يحدث في سوريا وعلينا أن نعرف ما هو. رمضان الثورات العربية سوف يجعل من الشهر الفضيل هذا العام أكثر دموية وسوف يجعله علامة فارقة في "تاريخ رمضان" فالشعوب العربية تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة تجعل من تكاليف الحياة في رمضان باهظة، هذا العام لم يلتفت أحد لهذه التكاليف رغم تفاقمها، فالحدث السياسي يطغى على كل شيء. المشكلة التي تعاني منها سوريا وغيرها من الدول العربية تكمن دائما في العلاقة بين النظام وبين الناس، هناك فجوة كبيرة تفصل من يحكم ومن يُحكم (بضم الياء) وهذه الفجوة ازدادات اتساعا بشكل ملحوظ منذ الهزيمة الكبرى عام 1967م (النكسة) فقد استخدمت تلك النكسة لتبرير استبداد الحاكم، فدعوى المواجهة (التي يكررها النظام السوري منذ انطلاق الاحداث الشعبية في سوريا) وظفت بشكل مبالغ فيه لإطلاق يد النظام من أجل تحقيق استقرار وهمي مبنى على بقاء الاشخاص لا على رفاهية المواطنين وتحسين أحولهم المعيشية. ومرت العقود الأربعة الأخيرة وتلك الانظمة تزداد استبداداً وانفصالاً عن القاعدة الشعبية بينما يعيش المواطنون في حالة من الفقر والعوز والخوف. في اعتقادي أن النظام السوري لم يحاول مطلقا أن يتكيف مع المتغيرات التي حدثت في محيطه العربي حتى قبل "ثورة البوعزيزي في تونس"، ولعل التصريحات التي نسمعها هذه الأيام من النظام السوري تؤكد على أن هذا النظام سوف يسير في الطريق الخاطئ حتى النهاية، لأن المسألة بالنسبة له بقاء أشخاص النظام لا بقاء سوريا وشعبها. كلمة الملك عبدالله وموقف دول مجلس التعاون مما يحدث في سوريا لابد أنه سوف يقلب الموازين على مستوى الموقف العربي الصامت إزاء المذابح اليومية التي تعيشها المدن السورية، فكيف بربكم يمكن السكوت على جيش يستخدم المدرعات والدبابات لاقتحام مدن يسكنها مدنيون عزل. الأمر المضحك المبكي هو تصريح الرئيس الأسد بأن نظامه سوف يلاحق المجموعات الإرهابية، فهو يريد من السوريين أن يقفوا مكتوفي الايدي أمام جيش وحشي مستبد، دون أن يدافع عن نفسه، إنها ثقافة الاستبداد التي نشأ عليها فهو لا يرى أن للشعب السوري أي حقوق وإذا ما حدث أي إصلاح فيجب أن يكون الاصلاح الذي يفرضه ويحدده النظام لا ما يريده الناس. إننا فعلاً أمام معضلة "عقلية" سياسية لا يمكن إصلاحها لأنها عقلية تكونت وتشكلت كي تحكم بالحديد والنار وليس لديها متسع من الوقت للاستماع للآخرين، عقلية تعودت على القمع وتكميم الأفواه ولا تطيق أن تسمع من ينتقدها، وتتوقع من العالم أن يقبل منها هذا السلوك الغريب. رمضان هذا العام ينطلق مع الكلمة التاريخية لخادم الحرمين حفظه الله لمناصرة الشعب السوري، فهذه الكلمة لابد أن تحرك الجمود في الموقف العربي من أحداث سوريا، فسوف يتذكر السوريون هذه الكلمة وسوف تكون جزءاً من تاريخ سوريا الحديث، لأنها أتت في الوقت المناسب وفي شهر رمضان الذي علمنا ويعلمنا ثقافة "النصرة" و"النجدة" وهذا ليس بمستغرب على خادم الحرمين، فنصرة المسلمين في كل مكان جزء أساسي من ثقافة المملكة السياسية، ولا نتصور من المملكة ودول مجلس التعاون إلا هذا الموقف المندد بوحشية النظام السوري تجاه المواطنين السوريين العزل. نتمنى من العقلاء في النظام السوري أن يقفوا بحزم مع سوريا أولاً ومع أنفسهم ثانياً وليتذكروا أن الشعوب سوف تنتصر في النهاية وأنه مهما طال عهد القمع والظلم والجور فإنه لابد أن يسقط في النهاية. ومع ذلك دعوني أتخيل معكم رمضان القادم، ماذا عساه أن يحمل من أخبار وأحداث. بالنسبة لي أتصور أنه سيكون رمضان هادئاً، لأن كل الاحداث المهمة سوف تنتهي هذا العام، وأعتقد أن خارطة العالم العربي سوف تتغير (وقد تغيرت بالفعل باقتطاع جنوب السودان منها) وأرى أن الخارطة السياسية العربية سوف تكون أكثر نضجا وأكثر ثقة بالنفس، وربما تكون علاقتنا الاقليمية بالقوى الكبرى أكثر تكافؤاً، ولعل الخطوة المهمة هي أن البيت العربي الداخلي سوف يكون أكثر تماسكاً، والمهم هنا هو أن الايمان بالعروبة سوف يعود أكثر قوة ورسوخاً لدى المواطن العربي الذي اهتز إيمانه بالعروبة خلال العقود الأربعة الماضية. دعوني أقول إنني متفائل برمضان هذا العام، لأني أنظر لرمضان المقبل على أنه نقطة انطلاقة جديدة للحضارة العربية القادمة.