هكذا كانوا يقولون عن الثلث الأول من أيّام رمضان : " إذا عشّر بشّر " .! وهاهي أيام هذا الشهر تعشّر وتبشر ، قبل أن تشبشر .. من (الشبشرة ) وهي مصطلح خاص يدل على قرب انتهاء (الوناسة) ، عُمّم على سائر أحوال انفضاض (اللمة) ، وانتهاء الزحمة .! عشرة (مَرَقْ) .. وعشرة (خَرَقْ) .. وعشرة (قَلَقْ) .! وليس المقصود بالقلق الضيق والتوتر (النفسي) ، وإنما هو قلق اللهفة ، لهفة انتظار يوم العيد .. وهناك تسمية أكثر شيوعاً تقسّم أثلاث الشهر على هذا النحو : عشرة الجزارين .. وعشرة القماشين .. وعشرة الخياطين .. وربما عنّ لأهل تلك الأيام الخوالي أن يختموا ب (القلقلة) ما يروق للأنام يوافق ذائقة الكلام .! **** كانت الحياة تلف بنا وتدور .. ومثل (عيقلية مداريه العيد) وصناديقها الصاعدة الهابطة ، كان العيد يمر ببعضنا مرور الكرام ، ويقيم مع بعضنا في سائر الأيام . وكانت تميّز أكمام ثوب العيد الجديد (كرمة) على الكتف ، مثل شريطة (شاويش) الأفلام المصرية .. وثنية في (الذيل) ، يرتقها الخياطون جديدة ، وتفتقها الأمهات قبل أن يبلى الثوب (الحيلة) .! يكبر معنا إذا كبرنا .. ويطول إذا طُلنا .. كان الثوب الجديد (حدثا تاريخيا) ، يمر في العام على سواد الناس مرّة ، وعلى بياضهم مرّات.. أيامه تتعاقب علينا .. تتناسل خيوطها المغزولة (بالأبيض والأسود) .. وهي خلطة رمزية لبياض الأيام وسواد الليالي .! هذه هي حال الأيام " تجري وتجري ، يوم ورا يوم ياعمري " .! عداد السنين يمضي ، كعقد مسبحة انفرط وتناثرت حبّاته .! هكذا كان يرقبها بلا قلق .. لا يندم على يوم مضى لأنّ " الماضي لا يعود "!.