قدِمَت طالبة غربية، في ما يبدو، لزيارة أهلها الذين يعملون في الرياض يملؤها الحماس ف"جوجلت" - نسبة إلى الإبحار في عالم "جوجل" - تبحث عن عمل في إجازتها الصيفية. فجاءت النصائح أن العملية صعبة جدا، وخاصة إن كانت الوظيفة في البنوك , فالتوظيف للسعوديين فقط , ولذلك فالعملية صعبة حتى على السعوديات. ولكن أعجبني طموح تلك الفتاة فهي ليست الوحيدة من بين الكثير من غير السعوديين الذين يبحثون ويجدون وظائف صيفية بين ظهرانينا وفي أسواقنا، وهذا في اعتقادي قمة نمو سوق العمل لدينا ,فهو إن استوعب القادم من الخارج فهو بلا شك سيستوعب المواطن! طبعا هذا "حلم الضبعة", فربعنا قرروا من زمان أن "الصيف ضيعت اللبن" وضيعت معها أشياء أخرى ومنها الوظائف الصيفية. فقبل أربعين عاما على ما أعتقد برزت بوادر الأعمال الصيفية في المؤسسات الحكومية والخاصة , وإن كانت الأعمال الأسرية قد سبقت ذلك بعقود عديدة وتحديدا في الأعمال الوراثية للمهنية. ولكن دخل على تلك التجربة الكثير من سوء التوظيف بل والمحسوبية حتى في المؤسسات التي يفترض أن تنأى بنفسها عن ذلك كالمؤسسات الدينية, ومع هذا نجد أن الانتداب بمحسوبية، ووظائف الصيف كذلك فهي وظائف في درج مدير شؤون الموظفين.. لأنها وظائف فنادرا ما تخضع لنظام الشفافية والمحاسبية وغيرهما من العبارات الرنانة التي تقدم للاستهلاك الإعلامي فقط. اعرف جيدا ومن واقع التجربة الشخصية ومنذ ما يقرب من ثلاثين عاما أن تلك الوظائف الصيفية تثري الشخصية وتعزز المسؤولية وتشجع على الانضباط المهني لدى الطالب المتدرب. ففي تلك الفترة لم تكن المنافسة شرسة على التوظيف الصيفي ولكنها أيضا لم تقدم للطلاب على طبق من ذهب وإنما على طبق من واسطة. الحال لم تتغير كثيرا بل ازدادت سوءا في ظل التنامي لأعداد الطلاب وقلة المعروض من وظائف الصيف. أعتقد أن العملية بحاجة إلى مأسَسة عاجلة وصادق لتصبح تلك الوظائف وفق قواعد المنافسة الشريفة والمتاحة للجميع, وتصبح المؤسسات التي تخفي، أو لاتطرح وظائف صيفية للشباب تحت طائلة العقاب ممثلة في رأس الهرم الإداري . قبل عدة سنوات سمعنا عن توفير أكثر من 48000 وظيفة صيفية في المناطق الغربية والوسطى والشرقية من المملكة, وهذا الرقم ليس كبيرا في ظل وجود مؤسسات مماثلة في جميع مناطق المملكة خاصة الجاذبة منها سياحيا في فصل الصيف. فمكة المكرمة والمدينة المنورة وحائل والطائف وأبها والباحة ونجران وتبوك والجوف والاحساء والعلا بإمكانها مضاعفة ذلك الرقم بطرح وظائف مماثلة . ولكن أتمنى أن نضع أنفسنا مكان شاب سعودي أو فتاة يبحث عن عمل صيفي فكيف سيجده أحدهما؟ إنها معادلة صعبة بالرغم من الترتيب الذاتي الذي بدأ ينتظم عقده تطوعيا او تجاريا من قبل مواقع على شبكة الانترنت أسوة بما يقوم به مجموعات من غير السعوديين، وفي تسويق أسواقنا للوظائف الصيفية لبني جلدتهم. فمثلا هناك وظائف صيفية للناطقين بالانجليزية وفي معاهد اللغة الانجليزية وليس للسعوديين خريجي أقسام اللغة الانجليزية , ومع هذا أقول "ما علينا" ,على الأقل فلنوسع دائرة الفرصة لخريجي أقسام اللغة العربية للتدريس حول الحرمين المكي والمدني لغير الناطقين بالعربية من الزوار والمعتمرين وكذلك تنمية الوظائف المرتبطة بالرحلة الدينية حتى لا نقع في حرج مفردة السياحة الدينية,ففي هذا المجال سعة تحتاج إلى دور واضح من مكاتب العمل وهيئة السياحة وكليات السياحة والآثار، ومؤسسات الخدمات السياحية. عموماً وظائف الصيف ليست ترفاً فهي في كثير من الأحيان للمحتاج من الطلاب ,لأن الغني منهم إما أصبح كنئوم الضحى أو على ضفاف بحيرة جنيف يلعب ويرتع. أجزم أن الوظائف الصيفية موجودة نظاما واحتياجا ولكنها لا تزال ضائعة مع اللبن، وغياب الشفافية والمحاسبية، وتحتاج إلى عمل جاد يضع النقط على الحروف للصيف القادم. آسف ففي ما يبدو أنني أحلم كثيراً، فالموضوع ليس بسهولة ان يتحقق بالأحلام ولكنني أتمنى أن يكون في اليقظة للشباب المتطلع لغد مزهر، فعزيمة الشباب ودوره بالنسبة لوطن هي كخيوط القماش الذي يجب أن نحسن حياكته كي نستر به عورتنا الوظيفية والتدريبية!!